قلت : كان أهل الجاهلية يجعلون إحداد الحول فرضاً على كل متوفى عنها، والأزواج في هذا الحزن متفاوتات، وكذلك هن متفاوتات في المقدرة على البقاء في الانتظار لقلة ذات اليد في غالب النساء، فكن يصبرن على انتظار الحول راضيات أو كارهات، فلما أبطل الشرع ذلك فيما أبطل من أوهام الجاهلية، لم يكترث بأن يشرع للنساء حكماً في هذا الشأن، ووكله إلى ما يحدث في نفوسهن وجِدَتهن، كما يوكل جميع الجبليات والطبيعيات إلى الوجدان ؛ فإنه لم يعين للناس مقدار الأكلات والأسفار والحديث ونحو هذا، وإنما اهتم بالمقصد الشرعي وهو حفظ الأنساب، فإذا قضى حقه فقد بقي للنساء أن يفعلن في أنفسهن ما يشأن من المعروف، كما قال :﴿فلا جناح عليكم فيما فعلن﴾ فإذا شاءت المرأة بعد انقضاء العدة أن تحبس نفسها فلتفعل.
أما الأزواج غير المدخول بهن فعليهن عدة الوفاة دون عدة الطلاق لعموم هذه الآية، ولأن لهن الميراث، فالعصمة تقررت بوجه معتبر، حتى كانت سبب إرث، وعدم الدخول بالزوجة لا ينفي احتمال أن يكون الزوج قد قاربها خفية، إذ هي حلال له، فأوجب عليها الاعتداد احتياطاً لحفظ النسب، ولذلك قال مالك، وإن كان للنظر فيه مجال، فقد تقاس المتوفى عنها زوجها الذي لم يدخل بها على التي طلقها زوجها قبل أن يمسها، التي قال الله تعالى فيها :﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها﴾ [ الأحزاب : ٤٩ ].
وقد ذكروا حديث بروع بنت واشق الأشجعية، رواه الترمذي عن معقل بن سنان الأشجعي : أن رسول الله ﷺ قضى في بروع بنت واشق وقد مات زوجها، ولم يفرض لها صداقاً، ولم يدخل بها أن لها مثل صداق نسائها، وعليها العدة ولها الميراث ولم يخالف أحد في وجوب الاعتداد عليها، وإنما اختلفوا في وجوب مهر المثل لها. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٤٤٥ ـ ٤٤٦﴾

فصل


قال الفخر :


الصفحة التالية
Icon