لمّا كان حق الميت أعظم لأن فراقه لم يكن بالاختيار كانت مدة الوفاء له أطول. وكانت عدة الوفاة في ابتداء الإسلام سَنَةً، ثم رُدت إلى أربعة أشهر وعشرة أيام لتتحقق براءة الرحم عن ماء الزوج، ثم إذا انقضت العدة أبيح لها التزوج بزوجٍ آخر. والميت لا يستديم وفاءه إلى آخر العمر أحدٌ كما قيل :
وكما تَبْلى وجوهٌ في الثرى... فكذا يَبْلَى عليهن الحَزَن. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ١٨٥﴾
من فوائد ابن عرفة فى الآية
قوله تعالى :﴿والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ...﴾.
قال ابن عرفة : وتقدم لنا فيه سؤال وهو أن يقال : ما الفائدة في زيادة ( منكم ) ولو أسقط لكان اللَّفظ أعم فائدة ؟ كما تقدم لنا الجواب عنه بقول بعضهم : إن العام إذا قيد بشيء غالب أمره أنه يتخصص به، وقد يكون تقييده موجبا لتأكيد عمومه كهذه الآية، فإن توهّم وقوع المخالفة ممن لم يدرك النبي ﷺ ( من المؤمنين ) أشد من توهّم وقوع المخالفة ممن أدركه منهم فإذا خوطب بذلك من أدركه فأحرى من سواهم، ف ( منكم ) تأكيد لا تخصيص. وأجيب أيضا بأنّ ( منكم ) تخصيص لا تأكيد.
والمراد من المسلمين الحاضرين والغائبين وغلب فيها ضمير المخاطبين على غيرهم ويكون في الآية على هذا دليل على أنّ الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة.
فإن قلت : ما فائدة قوله :" بِأَنْفُسِهِنَّ " ؟
قلت : فائدته التنبيه على مجاهدة النفس بمنعها شهواتها وتحملها الصبر على النكاح حتى تنقضي العدة.
فإن قلت : ظاهر الآية أن يكون التربص مقصودا لها. والمذهب على أنها إذا لم تعلم بوفاة زوجها إلاّ بعد مضي العدة فإنّها تجزيها تلك ولا تستأنف عدة أخرى بوجه ؟