الثَّانِي هُوَ تَخْصِيصٌ لِلْحُكْمِ فَالْمَعْنَى أَنَّ الطَّلاقَ لا جُنَاحَ فِيهِ إذَا كَانَ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الأَوَّلِ تَقْيِيدٌ وَفِي الثَّانِي تَخْصِيصٌ لأَنَّ (طَلَّقْتُمْ) مُطَلَّقٌ لا عُمُومَ فِيهِ فَيَتَقَيَّدُ وَالثَّانِي عَامٌ لأَجْلِ النَّفْيِ فَيُتَخَصَّصُ، وَأَيُّ الطَّرِيقِينَ أَرْجَحُ فِيهِ نَظَرٌ، لأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ كَوْنُهُ مَعْمُولا لَطَلَّقْتُمْ أَوْلَى لِلْقُرْبِ وَعَدَمِ الْفَصْلِ وَلأَنَّ مَعْرِفَةَ مَحَلِّ الْحُكْمِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْلَى ؛ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ كَوْنُهُ مَعْمُولا لِخَبَرِ (لا جُنَاحَ) أَوْلَى لِتَشَاكُلِهِ كُلِّهِ فِي الْعُمُومِ فَإِنَّ " مَا " عَامَّةٌ وَ " طَلَّقْتُمْ " مُطَلَّقٌ فَيَبْعُدُ مَجِيئُهَا مَعَهُ. وَالأَنْسَبُ لَهُ أَنْ يُقَالَ : وَقْتُ عَدَمِ مَسِّهِنَّ إنْ لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَنَحْوُهُ مِمَّا لا عُمُومَ فِيهِ صَرِيحًا، نَعَمْ فِي الشَّرْطِ شَبَهُ الْعُمُومِ فَيَحْسُنُ مَجِيئُهَا مَعَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَك : أَكْرَمْتُك مَا دَامَ كَذَا مُسْتَنْكَرٌ، وَلأُكْرِمَنَّكَ مَا دَامَ كَذَا غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ لِحُسْنِ الْعُمُومِ فِي الثَّانِي دُونَ الأَوَّلِ، ثُمَّ تَفْسِيرُنَا مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ بِوَقْتِ عَدَمِ الْمَسِّ نَظَرَ إلَى أَصْلِ مَعْنَى الْمَصْدَرِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ. فَإِنَّ وَقْتَ عَدَمِ الْمَسِّ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ؛ وَوَقْتُ لَمْ يَمَسَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَمْ تَمَسَّ مِنْ الْمُضِيِّ ؛ وَهَذَا الْمَوْضِعُ قَدْ لا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ وَلَكِنْ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى يَظْهَرُ أَثَرُهُ. كَقَوْلِك : أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أَضْرِبْك فَإِنَّهُ مَتَى ضَرَبَهَا عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْ ضَرْبِهَا لَمْ يَقَعْ