بيان المقدمة الثانية : وهي أن ههنا وجد الطلاق قبل المسيس، هو أن المراد بالمسيس إما حقيقة المس باليد أو جعل كناية عن الوقاع، وأيهما كان فقد وجد الطلاق قبله، حجة أبي حنيفة قوله تعالى :﴿وَإِنْ أَرَدْتُّمُ استبدال زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً﴾ [ النساء : ٢٠ ] إلى قوله :﴿وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ﴾ [ النساء : ٢١ ] وجه التمسك به من وجهين الأول : هو أنه تعالى نهى عن أخذ المهر، ولم يفصل بين الطلاق وعدم الطلاق إلا أن توافقنا على أنه خص الطلاق قبل الخلوة، ومن ادعى التخصيص ههنا فعليه البيان والثاني : أن الله تعالى نهى عن أخذ المهر وعلل بعلة الإفضاء، وهي الخلوة، والإفضاء مشتق من الفضاء، وهو المكان الخالي، فعلمنا أن الخلوة تقرر المهر.
وجوابنا عن ذلك أن الآية التي تمسكوا بها عامة، والآية التي تمسكنا بها خاصة والخاص مقدم على العام، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٢٠ ـ ١٢١﴾
فصل
قال القرطبى :
اختلف الناس في هذه الآية ؛
فقالت فرقة منها مالك وغيره : إنها مُخْرِجَةٌ المطلَّقةَ بعد الفرض من حكم التَّمتُّع ؛ إذْ يتناولها قوله تعالى :﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾.
وقال ابن المسيب : نسخت هذه الآيةَ الآيةُ التي في " الأحزاب" لأن تلك تضمنت تمتيع كل من لم يدخل بها. وقال قتادة : نسخت هذه الآيةُ الآيةَ التي قبلها.
قلت : قول سعيد وقتادة فيه نظر ؛ إذْ شروط النسخ غير موجودة والجمع ممكنٌ.
وقال ابن القاسم في المدوّنة : كان المتاع لكل مطلقة بقوله تعالى :﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بالمعروف﴾ [ البقرة : ٢٤١ ] ولغير المدخول بها بالآية التي في سورة " الأحزاب" فاستثنى الله تعالى المفروضَ لها قبل الدخول بها بهذه الآية، وأثبت للمفروض لها نصف ما فُرِض فقط.