الحجة الثانية : للقائلين بأن المراد هو الولي هو أن ذكر الزوج قد تقدم بقوله عز وجل :﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ فلو كان المراد بقوله :﴿أَوْ يَعْفُوَاْ الذى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح﴾ هو الزوج، لقال : أو تعفو على سبيل المخاطبة، فلما لم يفعل ذلك بل عبر عنه بلفظ المغايبة، علمنا أن المراد منه غير الزواج.
وأجاب الأولون بأن سبب العدول عن الخطاب إلى الغيبة التنبيه على المعنى الذي من أجله يرغب الزوج في العفو، والمعنى : إلا أن يعفو أو يعفو الزوج الذي حبسها بأن ملك عقدة نكاحها عن الأزواج ثم لم يكن منها سبب في الفراق وإنما فارقها الزوج، فلا جرم كان حقيقاً بأن لا ينقصها من مهرها ويكمل لها صداقها.
الحجة الثالثة : للقائلين بأنه هو الولي هو أن الزوج ليس بيده ألبتة عقدة النكاح، وذلك لأن قبل النكاح كان الزوج أجنبياً عن المرأة، ولا قدرة له على التصرف فيها بوجه من الوجوه، فلا يكون له قدرة على إنكاحها ألبتة وأما بعد النكاح فقد حصل النكاح ولا قدرة على إيجاد الموجود بل له لا قدرة على إزالة النكاح، والله تعالى أثبت العفو لمن في يده وفي قدرته عقدة النكاح، فلما ثبت أن الزوج ليس له يد ولا قدرة على عقد النكاح ثبت أنه ليس المراد هو الزوج، أما الولي فله قدرة على إنكاحها، فكان المراد من الآية هو الولي لا الزوج، ثم إن القائلين بهذا القول أجابوا عن دلائل من قال : المراد هو الزوج.
أما الحجة الأولى : فإن الفعل قد يضاف إلى الفاعل تارة عند المباشرة وأخرى عند السبب يقال بنى الأمير داراً، وضرب ديناراً، والظاهر أن النساء إنما يرجعن في مهماتهن وفي معرفة مصالحهن إلى أقوال الأولياء والظاهر أن كل ما يتعلق بأمر التزوج فإن المرأة لا تخوض فيه، بل تفوضه بالكلية إلى رأي الولي، وعلى هذا التقدير يكون حصول العفو باختيار الولي وبسعيه فلهذا السبب أضيف العفو إلى الأولياء.


الصفحة التالية
Icon