فقال تعالى :﴿يتوفون منكم﴾ أي يقاربون أن يستوفي أرواحهم من أعارها أبدانهم فيخلصها منها كاملة لا يغادر منها شيئاً ولا يأخذ شيئاً من الجسم معها مع ما بينهما من كمال الامتزاج الذي لا يقدر معه على تمييز أحدهما عن الآخر إلا هو سبحانه وتعالى ﴿ويذرون أزواجاً﴾ بعد موتهم، فليوصوا ﴿وصية﴾ ومن رفع فالتقدير عندهم : فعليهم وصية، ويجوز أن تحمل الوفاة على حقيقتها ويكون التقدير : وصية من الله لأزواجهم، أو يوصيكم الله وصية ﴿لأزواجهم﴾ بالسكنى في بيوتهم ﴿متاعاً﴾ لهن ﴿إلى﴾ رأس ﴿الحول﴾ من حين الوفاة.
قال الحرالي : وهو غاية العمر وجامع لجملة الفصول التي بوفائها تظهر أحوال الصبر عن الشيء والحرص عليه وإنما الحول الثاني استدراك - انتهى.
﴿غير إخراج﴾ أي غير مصاحب ذلك المتاع بنوع إخراج أو غير ذوي إخراج.
قال الحرالي : لتكون الأربعة الأشهر والعشر فرضاً وباقي الحول متاعاً لتلحق أنواع المتعة بأنواع اللازم في الزوجية من نفقة وكسوة وإخدام وسكنى، ولما كان هذا المتاع الزائد إنما هو تقرير للزوجة في حال ما كانت عليه مع زوجها إشعاراً ببقاء العصمة وإلاحة من الله تعالى بحسن صبر المرأة المتوفى عنها زوجها على زوجها، لا تتزوج عليه غيره حتى تلقاه فتكون معه على النكاح السابق ليكون للأمة في أزواجهم لمحة حظ من تحريم أزواج نبيهم بعده اللاتي يقمن بعده إلى أن يلقينه أزواجاً بحالهن، فيكون ذلك لمن يستشرف من خواص أمته إلى اتباعه في أحكامه وأحكام أزواجه لأن الرجال مما يستحسنون ذلك لأزواجهم، فمن أشد ما يلحق الرجل بعد وفاته تزوج زوجه من بعده لأنها بذلك كأنها هي المطلقة له، ولذلك ورد أن المرأة إنما تكون لآخر زوج.


الصفحة التالية
Icon