قال ابن عاشور :
موقع هذه الآية هنا بعد قوله :﴿والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن﴾ [ البقرة : ٢٤٣ ] إلى آخرها في غاية الإشكال فإن حكمها يخالف في الظاهر حكم نظيرتها التي تقدمت، وعلى قول الجمهور هاته الآية سابقة في النزول على آية ﴿والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن﴾ يزداد موقعها غرابة إذ هي سابقة في النزول متأخرة في الوضع.
والجمهور على أن هذه الآية شرعت حكم تربص المتوفى عنها حولاً في بيت زوجها وذلك في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بعدة الوفاة وبالميراث، روي هذا عن ابن عباس، وقتادة والربيع وجابر بن زيد.
وفي البخاري في كتاب التفسير عن عبد الله بن الزبير قال :" قلت لعثمان هذه الآية، ﴿والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم﴾ قد نسختها الآية الآخرى فلم تكتبها، قال : لا أغير شيئاً منه عن مكانه بابن أخي" فاقتضى أن هذا هو موضع هذه الآية، وأن الآية التي قبلها ناسخة لها، وعليه فيكون وضعها هنا بتوقيف من النبي ﷺ لقول عثمان " لا أغير شيئاً منه عن مكانه" ويحتمل أن ابن الزبير أراد بالآية الأخرى آية سورة النساء في الميراث.
وفي البخاري قال مجاهد " شرع الله العدة أربعة أشهر وعشراً تعتد عند أهل زوجها واجباً، ثم نزلت ﴿وصية لأزواجهم﴾ فجعل الله لها تمام السنة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت، ولم يكن لها يومئذ ميراث معين، فكان ذلك حقها في تركة زوجها، ثم نسخ ذلك بالميراث" فلا تعرض في هذه الآية للعدة ولكنها في بيان حكم آخر وهو إيجاب الوصية لها بالسكنى حولاً : إن شاءت أن تحتبس عن التزوج حولاً مراعاة لما كانوا عليه، ويكون الحول تكميلاً لمدة السكنى لا للعدة، وهذا الذي قاله مجاهد أصرح ما في هذا الباب، وهو المقبول.