والتحقيق أن قدر المتعة لا تحديد فيه شرعاً لقوله تعالى :﴿عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدْرُهُ﴾ [ البقرة : ٢٣٦ ] فإن توافقا على قدر معين فالأمر واضح، وإن اختلفا فالحاكم يجتهد في تحقيق المناط، فيعين القدر على ضوء قوله تعالى :﴿عَلَى الموسع قَدَرُهُ﴾ [ البقرة : ٢٣٦ ] الآية هذا هو الظاهر وظاهر قوله :﴿ومَتِّعُوهُنَّ﴾ [ البقرة : ٢٣٦ ] وقوله :﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ﴾ [ البقرة : ٢٤١ ] يقتضي وجوب المتعة في الجملة خلافاً لمالك ومن وافقه في عدم وجوب المتعة أصلاً، واستدل بعض المالكية على عدم وجوب المتعة بأن الله تعالى قال :﴿حَقّاً عَلَى المحسنين﴾ [ البقرة : ٢٣٦ ] وقال :﴿حَقّاً عَلَى المتقين﴾ [ البقرة : ٢٤١ ] قالوا : فلو كانت واجبة لكانت حقاً على كل أحد. وبأنها لو كانت واجبة لعين فيها القدر الواجب.
قال مقيده - عفا الله عنه - هذا الاستدلال على عدم وجوبها لا ينهض فيما يظهر. لأن قوله :﴿عَلَى المحسنين﴾ [ البقرة : ٢٣٦ ] و﴿عَلَى المتقين﴾ [ البقرة : ٢٤١ ] تأكيد للوجوب وليس لأحد أن يقول لست متقياً مثلاً. لوجوب التقوى على جميع الناس قال القرطبي في تفسير قوله تعالى ومتعوهن الآية ما نصه : وقوله على المتقين تأكيد لإيجابها. لأن كل واحد يجب عليه أن يتقي الله في الإشراك به ومعاصيه وقد قال تعالى في القرآن :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [ البقرة : ٢ ]، وقولهم لو كانت واجبة لعين القدر الواجب فيها، ظاهر السقوط. فنفقة الأزواج والأقارب واجبة ولم يعين فيها القدر اللازم، وذلك النوع من تحقيق المناط مجمع عليه في جميع الشرائع كما هو معلوم. أ هـ ﴿أضواء البيان حـ ١ صـ ١٥١ ـ ١٥٢﴾