بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه " وذلك لتظهر مزيتهم على من قبلهم بما يكون من عزمهم كما أظهر الله تعالى مزيتهم على من قبلهم بما آتاهم من فضله ورحمته التي لم ينولها لمن قبلهم - انتهى.
ولما كانت مفارقة الأوطان مما لا يسمح به نبه بذكره على عظيم ما دهمهم فقال :﴿إلى الذين خرجوا﴾ أي ممن تقدمكم من الأمم ﴿من ديارهم﴾ التي ألفوها وطال ما تعبوا حتى توطنوها لما وقع فيها مما لا طاقة لهم به على الموت ﴿وهم ألوف﴾ أي كثيرة جداً تزيد على العشرة بما أفهمه جمع التكثير.
قال الحرالي : فيه إشعار بأن تخوفهم لم يكن من نقص عدد وإنما كان من جزع أنفس فأعلم سبحانه وتعالى أن الحذر لا ينجي من القدر وإنما ينجى منه كما قال النبي ﷺ الدعاء " إن الدعاء ليلقي القدر فيعتلجان إلى يوم القيامة " انتهى.
﴿حذر الموت﴾ فراراً من طاعون وقع في مدينتهم أو فراراً من عدو دعاهم نبيهم إلى قتاله - على اختلاف الرواية - ظناً منهم أن الفرار ينجيهم.
ودل سبحانه وتعالى على أن موتهم كان كنفس واحدة بأن جعلهم كالمأمور الذي لم يمكنه التخلف عن الامتثال بقوله مسبباً عن خروجهم على هذا الوجه :﴿فقال لهم الله﴾ أي الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه طالب لأن له الكمال كله ﴿موتوا﴾ أي فماتوا أجمعون موت نفس واحدة لم ينفعهم حذرهم ولا صد القدر عنهم علمهم بالأمور وبصرهم إعلاماً بأن من هاب القتال حذر الموت لم يغنه حذره مع ما جناه من إغضاب ربه ومن أقدم عليه لم يضره إقدامه مع ما فاز به من مرضاة مولاه.


الصفحة التالية
Icon