فائدة
قال الفخر :
اعلم أن الرؤية قد تجىء بمعنى رؤية البصيرة والقلب، وذلك راجع إلى العلم، كقوله :﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ [ البقرة : ١٢٨ ] معناه : علمنا، وقال :﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَا أَرَاكَ الله﴾ [ النساء : ١٠٥ ] أي علمك، ثم إن هذا اللفظ قد يستعمل فيما تقدم للمخاطب العلم به، وفيما لا يكون كذلك فقد يقول الرجل لغيره يريد تعريفه ابتداء : ألم تر إلى ما جرى على فلان، فيكون هذا ابتداء تعريف، فعلى هذا يجوز أن يكون النبي ﷺ لم يعرف هذه القصة إلا بهذه الآية، ويجوز أن نقول : كان العلم بها سابقاً على نزول هذه الآية، ثم إن الله تعالى أنزل هذه الآية على وفق ذلك العلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٣٧ ـ ١٣٨﴾
وقال ابن عاشور :
واعلم أن تركيب ( ألم تر إلى كذا ) إذا جاء فعل الرؤية فيه متعدياً إلى ما ليس من شأن السامع أن يكون رآه، كان كلاماً مقصوداً منه التحريض على علم ما عدي إليه فعل الرؤية، وهذا مما اتفق عليه المفسرون ولذلك تكون همزة الاستفهام مستعملة في غير معنى الاستفهام بل في معنى مجازي أو كنائي، من معاني الاستفهام غير الحقيقي، وكان الخطاب به غالباً موجهاً إلى غير معين، وربما كان المخاطب مفروضاً متخيلاً.
ولنا في بيان وجه إفادة هذا التحريض من ذلك التركيب وجوه ثلاثة :
الوجه الأول : أن يكون الاستفهام مستعملاً في التعجب أو التعجيب، من عدم علم المخاطب بمفعول فعل الرؤية، ويكون فعل الرؤية علمياً من أخوات ظن، على مذهب الفراء وهو صواب ؛ لأن إلى ولام الجر يتعاقبان في الكلام كثيراً، ومنه قوله تعالى :﴿والأمر إليك﴾ [ النمل : ٣٣ ] أي لك وقالوا :﴿أحمد الله إليك﴾ كما يقال :﴿أحمد لك الله﴾ والمجرور بإلى في محل المفعول الأول، لأن حرف الجر الزائد لا يطلب متعلقاً، وجملة ﴿وهم ألوف﴾ في موضع الحال، سادة مسد المفعول الثاني، لأن أصل المفعول الثاني لأفعال القلوب أنه حال، على تقدير : ما كان من حقهم الخروج، وتفرع على قوله :﴿وهم ألوف﴾ قوله :﴿فقال لهم الله موتوا﴾ فهو من تمام معنى المفعول الثاني أو تجعل ( إلى ) تجريداً لاستعارة فعل الرؤية لمعنى العلم، أو قرينة عليها، أو لتضمين فعل الرؤية معنى النظر، ليحصل الادعاء أن هذا الأمر المدرك بالعقل كأنه مدرك بالنظر، لكونه بين الصدق لمن علمه، فيكون قولهم :﴿ألم تر إلى كذا﴾ في قوله : جملتين : ألم تعلم كذا وتنظر إليه.
الوجه الثاني : أن يكون الاستفهام تقريرياً فإنه كثر مجيء الاستفهام التقريري في الأفعال المنفية، مثل :﴿ألم نشرح لك صدرك﴾ [ الشرح : ١ ] ﴿ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير﴾ [ البقرة : ١٠٦ ].