المسألة الثالثة : أنه قد ثبت بالدلائل أن معارف المكلفين تصير ضرورية عند القرب من الموت : وعند معاينة الأهوال والشدائد، فهؤلاء الذين أماتهم الله ثم أحياهم لا يخلو إما أن يقال إنهم عاينوا الأهوال والأحوال التي معها صارت معارفهم ضرورية، وإما ما شاهدوا شيئاً من تلك الأهوال بل الله تعالى أماتهم بغتة، كالنوم الحادث من غير مشاهدة الأهوال ألبتة، فإن كان الحق هو الأول، فعندما أحياهم يمتنع أن يقال : إنهم نسوا تلك الأهوال ونسوا ما عرفوا به ربهم بضرورة العقل، لأن الأحوال العظيمة لا يجوز نسيانها مع كمال العقل، فكان يجب أن تبقى تلك المعارف الضرورية معهم بعد الإحياء، وبقاء تلك المعارف الضرورية يمنع من صحة التكليف، كما أنه لا يبقى التكليف في الآخرة، وإما أن يقال : إنهم بقوا بعد الإحياء غير مكلفين، وليس في الآية ما يمنع منه، أو يقال : إن الله تعالى حين أماتهم ما أراهم شيئاً من الآيات العظيمة التي تصير معارفهم عندها ضرورية، وما كان ذلك الموت كموت سائر المكلفين الذين يعاينون الأهوال عند القرب من الموت، والله أعلم بحقائق الأمور.
المسألة الرابعة : قال قتادة : إنما أحياهم ليستوفوا بقية آجالهم، وهذا القول فيه كلام كثير وبحث طويل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٣٩ ـ ١٤٠﴾
فائدة
قال البقاعى :
قال أهل التفسير : إن إحياءهم كان على يد حزقيل أحد أنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام ؛ وقال البغوي : إنه ثالث خلفائهم، والذي رأيته في سفر الأنبياء المبعوثين منهم بعد موسى عليه الصلاة والسلام لتجديد أمر التوراة وإقامة ما درس من أحكامها وهم ستة عشر نبياً أولهم يوشع بن نون وآخرهم دانيال على جميعهم الصلاة والسلام والتحية والإكرام أن حزقيل خامس عشرهم عليه الصلاة والسلام.