وفي حديث أسيد بن حضير، بينما هو ليلة يقرأ في مربده الحديث، وفيه : فقال رسول الله ﷺ :" تلك الملائكة كانت تسمع لذلك، ولو قرأت لأصبحت تراها الناس ما تستتر منهم " فأخبر ﷺ عن نزول السكينة مرة، ومرة عن نزول الملائكة، ودل حديث أسيد على أن نزول السكينة في حديث عمران هو على مضاف، أي : تلك أصحاب السكينة، وهم الملائكة المخبر عنهم في حديث أسيد، وجعلوا ذوي السكينة لأن إيمانهم في غاية الطمأنينة، وطواعيتهم دائمة لا يعصون الله ما أمرهم، وقد جاء في ( الصحيح ) :" ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاَّ نزلت عليهم السكينة.
وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده "
فنزول السكينة عليهم كناية عن التباسهم بطمأنينة الإيمان، واستقرار ذلك في قلوبهم، لأن من تلا كتاب الله وتدارسه يحصل له بالتدبر في معانيه.
والتفكر في أساليبه، ما يطمئن إليه قلبه، وتستقر له نفسه، وكأنه كان قبل التلاوة له والدراسة خالياً من ذلك، فحين تلا نزل ذلك عليه.
وقد قال بهذا المعنى بعض المفسرين، قال قتادة السكينة هنا الوقار.
وقال عطاء : ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها، وقال نحوه الزجاج.
وقال الزمخشري : التابوت صندوق التوراة، كان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون، والسكينة : السكون والطمأنينة، وذكر عن عليّ أن السكينة لها وجه كوجه الإنسان، وهي ريح هفافة، وقيل : السكينة صورة من زبرجد أو ياقوت، لها رأس كرأس الهر، وذنب كذنبه، وجناحان، فتئن فيزف التابوت نحو العدو، وهم يمضون معه، فإذا استقر ثبتت وسكنوا، ونزل النصر.
وقيل : بالسكينة بشارات من كتب الله المنزلة على موسى وهارون ومن بعدهما من الأنبياء، فإن الله ينصر طالوت وجنوده، ويقال : جعل تعالى سكينة بني إسرائيل في التابوت الذي فيه رضاض الألواح، والعصا، وآثار أصحاب نبوتهم، وجعل تعالى سكينة هذه الأمة في قلوبهم، وفرق بين مقر تداولته الأيدي، قد فر مرة، وغلب عليه مرة، وبين مقر بين أصبعين من أصابع الرحمن. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٧٠ ـ ٢٧١﴾