والقول الثاني : أن لفظ القرض ههنا مجاز، وذلك لأن القرض هو أن يعطي الإنسان شيئاً ليرجع إليه مثله وههنا المنفق في سبيل الله إنما ينفق ليرجع إليه بدله إلا أنه جعل الاختلاف بين هذا الإنفاق وبين القرض من وجوه أحدها : أن القرض إنما يأخذه من يحتاج إليه لفقره وذلك في حق الله تعالى محال وثانيها : أن البدل في القرض المعتاد لا يكون إلا المثل، وفي هذا الإنفاق هو الضعف وثالثها : أن المال الذي يأخذه المستقرض لا يكون ملكاً له وههنا هذا المال المأخوذ ملك لله، ثم مع حصول هذه الفروق سماه الله قرضاً، والحكمة فيه التنبيه على أن ذلك لا يضيع عند الله، فكما أن القرض يجب أداؤه لا يجوز الإخلال به فكذا الثواب الواجب على هذا الإنفاق واصل إلى المكلف لا محالة، ويروى أنه لما نزلت هذه الآية قالت اليهود : إن الله فقير ونحن أغنياء، فهو يطلب منا القرض، وهذا الكلام لائق بجهلهم وحمقهم، لأن الغالب عليهم التشبيه، ويقولون : إن معبودهم شيخ، قال القاضي : من يقول في معبوده مثل هذا القول لا يستبعد منه أن يصفه بالفقر.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى :﴿مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا﴾ ولأي فائدة جرى الكلام على طريق الاستفهام.
قلنا : إن ذلك في الترغيب في الدعاء إلى الفعل أقرب من ظاهر الأمر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٤٢ ـ ١٤٣﴾
سؤال : فإن قيل : ما وجه تسمية الصدقة قرضاً ؟
فالجواب من ثلاثة أوجه.
أحدهما : لأن هذا القرض يبدل بالجزاء،
والثاني : لأنه يتأخر قضاؤه إلى يوم القيامة،
والثالث : لتأكيد استحقاق الثواب به، إذ لا يكون قرض إلا والعوض مستحق به. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ١ صـ ٢٩٠﴾
قوله تعالى :﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾
قال الفخر :
كون القرض حسناً يحتمل وجوهاً
أحدها : أراد به حلالاً خالصاً لا يختلط به الحرام، لأن مع الشبهة يقع الاختلاط، ومع الاختلاط ربما قبح الفعل وثانيها : أن لا يتبع ذلك الإنفاق مناً ولا أذى


الصفحة التالية
Icon