ولما كان عندهم من الغلظة ما لا ينقادون به إلا لإنالة الملك وكان القتال لا يقوم إلا برأس جامع تكون الكلمة به واحدة قالوا :﴿ابعث لنا﴾ أي خاصة ﴿ملكاً﴾ أي يقيم لنا أمر الحرب ﴿نقاتل﴾ أي عن أمره ﴿في سبيل الله﴾ أي الملك الأعلى.
قال الحرالي في إعلامه أخذهم الأمر بمنة الأنفس حيث لم يظهر في قولهم إسناد إلى الله سبحانه وتعالى الذي لا تصح الأعمال إلا بإسنادها إليه فما كان بناء على تقوى تم، وما كان على دعوى نفس انهدّ ﴿قال﴾ أي ذلك النبي ﴿هل﴾ كلمة تنبىء عن تحقيق الاستفهام اكتفي بمعناها عن الهمزة - انتهى.
﴿عسيتم﴾ أي قاربتم ولما كانت العناية بتأديب السائلين في هذا المهم أكثر قدم قوله :﴿إن كتب﴾ أي فرض - كذا قالوا، والأحسن عندي كما يأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في سورة براءة أن يكون المعنى : هل تخافون من أنفسكم، ولما كان القصد التنبيه على سؤال العافية والبعد عن التعرض للبلاء لخطر المقام بأن الأمر إذا وجب لم تبق فيه رخصة فمن قصر فيه هلك وسط بين عسى وصلتها قوله :﴿عليكم القتال﴾ فرضاً لازماً، وبناه للمفعول صيانة لاسم الفاعل عن مخالفة يتوقع تقصيرهم بها ﴿ألا تقاتلوا﴾ فيوقعكم ذلك في العصيان، قال الحرالي : بكسر سين عسى وفتحها لغتان، عادة النحاة أن لا يلتمسوا اختلاف المعاني من أوساط الصيغ وأوائلها، وفي فهم اللغة وتحقيقها إعراب في الأوساط والأوائل كما اشتهر إعراب الأواخر عند عامة النحاة، فالكسر حيث كان مبنى عن باد عن ضعف وانكسار، والفتح معرب عن باد عن قوة واستواء - انتهى.
فكأنه ﷺ فهم أن بعضهم يترك القتال عن ضعف عنه وبعضهم يتركه عن قوة ولذلك نفى الفعل ولم يقل : أن تعجزوا.
قال الحرالي : فأنبأهم بما آل إليه أمرهم فلم يلتفوا عنه وحاجوه وردوا عليه بمثل سابقة قولهم، ففي إشعاره إنباء بما كانوا عليه من غلظ الطباع وعدم سرعة التنبه - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٦٩ ـ ٤٧١﴾