قال ابن عاشور :
جملة :﴿ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل﴾ استئناف ثان من جملة ﴿ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم﴾ [ البقرة : ٢٤٣ ] سيق مساق الاستدلال لجملة ﴿وقاتلوا في سبيل الله﴾ [ البقرة : ١٩٠ ] وفيها زيادة تأكيد لفظاعة حال التقاعس عن القتال بعد التهيؤ له في سبيل الله، والتكرير في مثله يفيد مزيد تحذير وتعريض بالتوبيخ ؛ فإن المأمورين بالجهاد في قوله :﴿وقاتلوا في سبيل الله﴾ لا يخلون من نفر تعتريهم هواجس تثبطهم عن القتال، حباً للحياة ومن نفر تعترضهم خواطر تهون عليهم الموت عند مشاهدة أكدار الحياة، ومصائب المذلة، فضرب الله لهذين الحالين مثلين : أحدهما ما تقدم في قوله :﴿ألم تر إلى الذين أخرجوا من ديارهم﴾ والثاني قوله :﴿ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل﴾ وقد قدم أحدهما وأخر الآخر ليقع التحريض على القتال بينهما.
ومناسبة تقديم الأولى أنها تشنع حال الذين استسلموا واستضعفوا أنفسهم، فخرجوا من ديارهم مع كثرتهم، وهذه الحالة أنسب بأن تقدم بين يدي الأمر بالقتال والدفاع عن البيضة ؛ لأن الأمر بذلك بعدها يقع موقع القبول من السامعين لا محالة، ومناسبة تأخير الثانية أنها تمثيل حال الذين عرفوا فائدة القتال في سبيل الله لقولهم :﴿وما لنا ألا نقاتل﴾ إلخ.
فسألوه دون أن يفرض عليهم فلما عين لهم القتال نكصوا على أعقابهم، وموضع العبرة هو التحذير من الوقوع في مثل حالهم بعد الشروع في القتال أو بعد كتبه عليهم، فلله بلاغة هذا الكلام، وبراعة هذا الأسلوب تقديماً وتأخيراً.
وتقدم القول على ﴿ألم تر﴾ [ البقرة : ٢٤٣ ] في الآية قبل هذه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٤٨٤﴾
قال القرطبى :
الملأ : الأشراف من الناس، كأنّهم ممتلئون شرفاً.
وقال الزجاج : سموا بذلك لأنهم ممتلئون مما يحتاجون إليه منهم.
والملأ في هذه الآية القوم ؛ لأنّ المعنى يقتضيه.
والملأ : اسم للجمع كالقوم والرهط.


الصفحة التالية
Icon