الثاني : قال الفراء : الكلام ههنا محمول على المعنى، لأن قولك : مالك لا تقاتل معناه ما يمنعك أن تقاتل ؟ فلما ذهب إلى معنى المنع حسن إدخال أن فيه قال تعالى :﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ﴾ [ ص : ٧٥ ] وقال :﴿مالك أَن لا تَكُونَ مَعَ الساجدين﴾ [ الحجر : ٣٢ ]
الثالث : قال الكسائي : معنى ﴿وَمَا لَنَا أَن لا نقاتل﴾ أي شيء لنا في ترك القتال ؟ ثم سقطت كلمة ﴿فِى﴾ ورجح أبو علي الفارسي، قول الكسائي على قول الفراء، قال : وذلك لأن على قول الفراء لا بد من إضمار حرف الجر، والتقدير : ما يمنعنا من أن نقاتل، إذا كان لا بد من إضمار حرف الجر على القولين، ثم على قول الكسائي يبقى اللفظ مع هذا الإضمار على ظاهره، وعلى قول الفراء لا يبقى، فكان قول الكسائي لا محالة أولى وأقوى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٤٥ ـ ١٤٦﴾
قال ابن عاشور :
وقوله :﴿قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله﴾ جاءت واو العطف في حكاية قولهم ؛ إذ كان في كلامهم ما يفيد إرادة أن يكون جوابهم عن كلامه معطوفاً على قولهم :﴿ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله﴾ ما يؤدَّى مثله بواو العطف فأرادوا تأكيد رغبتهم، في تعيين ملك يدبر أمور القتال، بأنهم ينكرون كل خاطر يخطر في نفوسهم من التثبيط عن القتال، فجعلوا كلام نبيئهم بمنزلة كلام معترض في أثناء كلامهم الذي كملوه، فما يحصل به جوابهم عن شك نبيهم في ثباتهم، فكان نظم كلامهم على طريقة قوله تعالى حكاية عن الرسل :﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾ [ آل عمران : ١٢٢ ]، ﴿وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا﴾ [ إبراهيم : ١٢ ].
و( ما ) اسم استفهام بمعنى أي شيء واللام للاختصاص والاستفهام إنكاري وتعجبي من قول نبيهم :﴿هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا﴾ لأن شأن المتعجب منه أن يسأل عن سببه.


الصفحة التالية
Icon