إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون همو
وانظر إلى التمحيص، إنهم ملأ من بني إسرائيل وذهبوا إلى نبي وقالوا له : ابعث لنا ملكا حتى يجعلوها حربا مشروعة ليقاتلوا في سبيل الله، وقال لهم النبي ما قال وردوا عليه هم :" وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله" يعني وكيف لا نقاتل في سبيل الله ؟ وجاء لهم الأمر بالقتال في قوله تعالى :" فلما كتب عليهم القتال تولوا" إن قوله :" كتب" لأنهم هم الذي طلبوا تشريع القتال فجعلهم الله داخلين في العقد فجاء التعبير بـ" كُتب" ولم يأت بـ" كَتبَ"، ومع ذلك تولوا أي أعرضوا عن القتال. لقد كان لنبيهم حق في أن يتشكك في قدرتهم على القتال، ويقول لهم :" هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا". ولكن هل أعرضوا جميعا عن القتال ؟ لا ؛ فقد كان فيهم من ينطبق عليه قول الشاعر :
إن الذي جعل الحقيقة علقماً لم يخل من أهل الحقيقة جيلاً
لقد كان منهم من لم يعرض عن التكليف بالقتال لكنهم قلة، وهذا تمهيد مطلوب، حتى إذا انحسرت الجمهرة، وانفض الجميع من حولك إياك أن تقول :" إني قليل" ؛ لأن المقاييس ليست بكثرة الجمع، ولكن بنصرة الحق سبحانه وتعالى. وقد يكون عدوك كثيرا لكن ليس له رصيد من ألوهية عالية، وقد تكون في قلة من العدد، لكن لك رصيد من ألوهية عالية، وهذا ما يريد الحق أن يلفتنا إليه بقوله :" فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا". كلمة " إلا قليلا" جاءت لتخدم قضية، لذلك جاء في آخر القصة قوله تعالى :
﴿كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ﴾
(من الآية ٢٤٩ سورة البقرة)


الصفحة التالية
Icon