فإن قيل : لم قال :﴿تِلْكَ﴾ ولم يقل :( هذه ) مع أن تلك يشار بها إلى غائب لا إلى حاضر ؟.
قلنا : قد بينا في تفسير قوله :﴿ذلك الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ [ البقرة : ٢ ] أن تلك وذلك يرجع إلى معنى هذه وهذا، وأيضاً فهذه القصص لما ذكرت صارت بعد ذكرها كالشيء الذي انقضى ومضى، فكانت في حكم الغائب فلهذا التأويل قال :﴿تِلْكَ ﴾.
أما قوله تعالى :﴿نَتْلُوهَا﴾ يعني يتلوها جبريل عليه السلام عليك لكنه تعالى جعل تلاوة جبريل عليه السلام تلاوة لنفسه، وهذا تشريف عظيم لجبريل عليه السلام، وهو كقوله :﴿إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله﴾ [ الفتح : ١٠ ].
أما قوله :﴿بالحق﴾ ففيه وجوه
أحدها : أن المراد من ذكر هذه القصص أن يعتبر بها محمد ﷺ، وتعتبر بها أمته في احتمال الشدائد في الجهاد، كما احتملها المؤمنون في الأمم المتقدمة
وثانيها :﴿بالحق﴾ أي باليقين الذي لا يشك فيه أهل الكتاب، لأنه في كتبهم، كذلك من غير تفاوت أصلاً
وثالثها : إنا أنزلنا هذه الآيات على وجه تكون دالة في نبوتك بسبب ما فيها من الفصاحة والبلاغة ورابعها :﴿تِلْكَ آيات الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بالحق﴾ أي يجب أن يعلم أن نزول هذه الآيات عليك من قبل الله تعالى، وليس بسبب إلقاء الشياطين، ولا بسبب تحريف الكهنة والسحرة.
ثم قال :﴿وَإِنَّكَ لَمِنَ المرسلين﴾ وإنما ذكر هذا عقيب ما تقدم لوجوه
أحدها : أنك أخبرت عن هذه الأقاصيص من غير تعلم ولا دراسة، وذلك يدل على أنه عليه الصلاة والسلام إنما ذكرها وعرفها بسبب الوحي من الله تعالى