استدل علماؤنا بهذا على القول بسدّ الذرائع ؛ لأن أدنى الذوق يدخل في لفظ الطعم، فإذا وقع النهي عن الطعم فلا سبيل إلى وقوع الشرب ممن يتجنب الطعم ؛ ولهذه المبالغة لم يأت الكلام " ومن لم يشرب منه". أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٥٢﴾
قال أبو حيان :
واستثنى من الطعم منه الاغتراف، فحظرُ الشرب باقٍ، ودل على أن الاغتراف ليس بشرب، وأتى بقوله :﴿ ومن لم ﴾ معدّى لضمير الماء، لا إلى النهر، ليزيل ذلك الإبهام، وليعلم أن المقصود هو المنع من وصولهم إلى الماء من النهر، بمباشرة الشرب منه، أو بواسطة. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٧٤﴾
وقال ابن عاشور :
والمقصود من هذا الاستثناء الرخصة للمضطر في بلال ريقه، ولم تذكر كتب اليهود هذا الأمر بترك شرب الماء من النهر حين مرور الجيش في قصة شاول، وإنما ذكرت قريباً منه إذ قال في سفر صمويل لما ذكر أشد وقعة بين اليهود وأهل فلسطين :" وضنك رجال إسرائيل في ذلك اليوم ؛ لأن شاول حلف القوم قائلاً ملعون من يأكل خبزاً إلى المساء حتى أنتقم من أعدائي" وذكر في سفر القضاة في الإصحاح السابع مثل واقعة النهر، في حرب جَدعون قاضي إسرائيل للمديانيين، والظاهر أن الواقعة تكررت لأن مثلها يتكرر فأهملتها كتبهم في أخبار شاول. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٤٩٧﴾
فائدة
قال القرطبى :
قال ابن العربيّ قال أبو حنيفة : من قال إن شرِب عبدي فلان من الفُرَات فهو حُرّ فلا يعتق إلا أن يكْرَع فيه، والكرع أن يشرب الرجل بِفيه من النهر، فإن شرب بيده أو اغترف بالإناء منه لم يعتق ؛ لأن الله سبحانه فرّق بين الكرع في النهر وبين الشرب باليد.
قال : وهذا فاسد ؛ لأن شرب الماء يطلق على كل هيئة وصفة في لسان العرب من غَرْفٍ باليد أو كَرْع بالفم انطلاقاً واحداً، فإذا وُجِد الشّرب المحلوفُ عليه لغة وحقيقة حنَث فاعلمه.
قلت : قول أبي حنيفة أصح، فإن أهل اللغة فرّقوا بينهما كما فرّق الكتاب والسنة.