وانظر كيف تكون مصافي الابتلاء في الجهاد في سبيل الله ؟ حتى لا يحمل راية الجهاد إلا المأمون عليها الذي يعرف حقها. " فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده" أي عندما عبروا النهر واجتازوا كل الاختبارات السابقة قال بعضهم :" لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده" لقد خاف بعض منهم من الاختبار الأخير، ولكن الذين آمنوا بالله لم يخافوا، ويقول الحق :" قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين".
لقد اختلفت المواجيد وإن اتحدت المرائي. فالذين جاوزوا النهر انقسموا قسمين، قسم رأى جالوت وجنوده، والقسم الآخر رأوه أيضا، ولم ينقسموا عند الرؤية لكنهم انقسموا عند المواجيد التابعة للرؤية، فقسم خاف وقسم لم يخف، والذين خافوا قالوا :" لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده" لقد وجد الخوف من جالوت وجنوده في نفوسهم فقالوا :" لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده"، لقد مروا بثلاث مراحل ؛ المرحلة الأولى : هي إدراك لجالوت وجنوده، والثانية : هي وجدان متوجس من قوة جالوت وجنوده، والأخيرة : هي نزوع إلى الخوف من جالوت وجنوده، لكن القسم الذي لم يخف رأوا المشهد أيضا وجاء فيهم قول الله :" قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله".
كأنهم أدخلوا ربهم في حسابهم فاستهانوا بعدوهم، لكن الفئة السابقة عزلت نفسها عن ربها فرأوا أنفسهم قلة فخافوا. لقد كان مجرد ظن الفئة المؤمنة أنهم ملاقو الله قد جعل لهم هذه العقيدة، وإذا كان هذا حال مجرد الظن فما بالك باليقين ؟ " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين". ونعرف أن هناك معارك يفوز فيها الأقدر على الصبر، ودليلنا على ذلك قول الحق :