" إنما تنصرون بضعفائكم " وفي إلاحة هذا التمثيل والاعتبار أن أعظم الجيوش جيش يكون فيه من أهل الورع بعدد الثابتين من أصحاب طالوت الذين بعددهم كان أصحاب رسول الله ﷺ يوم بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر عدد المرسلين من كثرة عدد النبيين، قال : وفي إفراد اليد إيذان بأنها غرفة اليد اليمنى لأنها اليد الخاصة للتعريف، ففي اعتباره أن الأخذ من الدنيا إنما يكون بيد لا بيدين لاشتمال اليدين على جانبي الخير والشر - انتهى.
فعرض لهم النهر كما أخبرهم به ﴿فشربوا منه﴾ مجاوزين حد الاقتصاد ﴿إلاّ قليلاً منهم﴾ فأطاعوا فأرواهم الله وقوى قلوبهم، ومن عصى في شربه غلبه العطش وضعف عن اللقاء فبقي على شاطىء النهر.
قال الحرالي : وفيما يذكر أنه قرىء بالرفع وهو إخراج لهم من الشاربين بالاتباع كأن الكلام مبني عليه حيث صار تابعاً وإعرابه مما أهمله النحاة فلم يحكموه وحكمه أن ما بني على إخراج اتبع وما لم يبن على إخراجه وكأنه إنما انثنى إليه بعد مضار الكلام الأول قطع ونصب - انتهى.
وكان المعنى في النصب أنه لما استقر الفعل للكل رجع الاستثناء إلى البعض، وفي الاتباع نوى الاستثناء من الأول فصار كالمفرغ وهذه القراءة عزاها الأهوازي في كتاب الشواذ إلى الأعمش وعزاها السمين في إعرابه إلى عبد الله وأُبيّ رضي الله تعالى عنهما، وعقد سيبويه رحمه الله تعالى في نحو نصف كتابه لاتباع مثل هذا باباً ترجمه بقوله : باب ما يكون فيه إلاّ وما بعده وصفاً بمنزلة غير ومثل، ودل عليه بأبيات كثيرة منها :
وكل أخ مفارقه أخوه...
لعمر أبيك إلا الفرقدان