واعلم أن الدافعين على هذا التقدير هم الأنبياء عليهم السلام، ثم الأئمة والملوك الذابون عن شرائعهم، وتقريره : أن الإنسان الواحد لا يمكنه أن يعيش وحده، لأنه ما لم يخبز هذا لذاك ولا يطحن ذاك لهذا، ولا يبني هذا لذاك، ولا ينسج ذاك لهذا، لا تتم مصلحة الإنسان الواحد، ولا تتم إلا عند اجتماع جمع في موضع واحد، فلهذا قيل : الإنسان مدني بالطبع، ثم إن الاجتماع بسبب المنازعة المفضية إلى المخاصمة أولاً، والمقاتلة ثانياً، فلا بد في الحكمة الإلهية من وضع شريعة بين الخلق، لتكون الشريعة قاطعة للخصومات والمنازعات، فالأنبياء عليهم السلام الذين أوتوا من عند الله بهذه الشرائع هم الذين دفع الله بسببهم وبسبب شريعتهم الآفات عن الخلق فإن الخلق ما داموا يبقون متمسكين بالشرائع لا يقع بينهم خصام ولا نزاع، فالملوك والأئمة متى كانوا يتمسكون بهذه الشرائع كانت الفتن زائلة، والمصالح حاصلة فظهر أن الله تعالى يدفع عن المؤمنين أنواع شرور الدنيا بسبب بعثة الأنبياء عليهم السلام واعلم أنه كما لا بد في قطع الخصومات والمنازعات من الشريعة فكذا لا بد في تنفيذ الشريعة من الملك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام


الصفحة التالية
Icon