جيش لا يحصى كثرة، فشرط عليهم الشاب الفارغ بناء دار وبناء بامرأة، فلم يكن الموجود بالشرط إلا ثمانين ألفاً ؛ ثم امتحنوا بالنهر فلم يثبت منهم إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر وهم دون الثلث من ثمن العشر من المتصفين بالشرط من الذين هم دون الدون من المنتدبين الذين هم دون الدون من السائلين في بعث الملك، فكان الخالصون معه، كما قال بعض الأولياء المتأخرين لآخر قصده بالزيارة :
ألم تعلم بأني صيرفيّ...
أحك الأصدقاء على محك
فمنهم بهرج لا خير فيه...
ومنهم من أجوزه بشك
وأنت الخالص الذهب المصفى...
بتزكيتي ومثلي من يزكي
وهذا سر قول الصادق عليه الصلاة والسلام " أمتي كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة " وقوله ﷺ " لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا " فالحاصل أنه على العاقل المعتقد جهله بالعواقب وشمول قدرة ربه أن لا يثق بنفسه في شيء من الأشياء، ولا يزال يصفها بالعجز وإن ادعت خلاف ذلك، ويتبرأ من حوله وقوته إلى حول مولاه وقوته ولا ينفك يسأله العفو والعافية. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٨٢ ـ ٤٨٣﴾
فائدة
قال الآلوسى :
﴿ ولكن الله ذُو فَضْلٍ ﴾ لا يقدر قدره ﴿ عَلَى العالمين ﴾ كافة وهذا إشارة إلى قياس استثنائي مؤلف من وضع نقيض المقدم منتج لنقيض التالي خلا أنه قد وضع موضعه ما يستتبعه ويستوجبه أعني كونه تعالى ذا فضل على العالمين إيذاناً بأنه تعالى يتفضل في ذلك الدفع من غير أن يجب عليه ذلك وأن فضله تعالى غير منحصر فيه بل هو فرد من أفراد فضله العظيم كأنه قيل : ولكنه تعالى يدفع فساد بعضهم ببعض فلا تفسد الأرض وينتظم به مصالح العالم وينصلح أحوال الأمم، قاله مولانا مفتي الديار الرومية قدس سره.