﴿ ولا شفاعة ﴾ اللفظ عام والمراد الخصوص، أي : ولا شفاعة للكفار، وقال تعالى :﴿ فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ﴾ أو : ولا شفاعة إلاَّ بإذن الله، قال تعالى :﴿ ولا تنفع الشفاعة عنده إلاَّ لمن أذن له ﴾ وقال :﴿ ولا يشفعون إلاَّ لمن ارتضى ﴾ فعلى الخصوص بالكفار لا شفاعة لهم ولا منهم، وعلى تأويل الإذن : لا شفاعة للمؤمنين إلاَّ بإذنه.
وقيل : المراد العموم، والمعنى أن انتداب الشافع وتحكمه على كره المشفوع عنده لا يكون يوم القيامة ألبتة، وأما الشفاعة التي توجد بالإذن من الله تعالى فحقيقتها رحمة الله، لكن شرف تعالى الذي أذن له في أن يشفع.
وقد تعلق بقوله : ولا شفاعة، منكرو الشفاعة، واعتقدوا أن هذا نفي لأصل الشفاعة، وقد أثبتت الشفاعة في الآخرة مشروطة بإذن الله ورضاه، وصح حديث الشفاعة الذي تلقته الأمّة بالقبول، فلا التفات لمن أنكر ذلك. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٧٥ ـ ٢٧٦﴾
قال ابن عاشور :
والشفاعة الوساطة في طلب النافع، والسعي إلى من يراد استحقاق رضاه على مغضوب منه عليه أو إزالة وحشة أو بغضاء بينهما، فهي مشتقة من الشفع ضد الوتر، يقال شفع كمنع إذا صيّر الشيء شفعاً، وشفع أيضاً كمنع إذا سعى في الإرضاء ونحوه لأنّ المغضوب عليه والمحروم يبعد عن واصله فيصير وتراً فإذا سعى الشفيع بجلب المنفعة والرضا فقد أعادهما شفعاً، فالشفاعة تقتضي مشفوعاً إليه ومشفوعاً فيه، وهي في عرفهم لا يتصدّى لها إلاّ من يتحقّق قبول شفاعته، ويقال شفع فلان عند فلان في فلان فشفَّعهُ فيه أي فقبل شفاعته، وفي الحديث :" قالوا هذا جدير إن خطب بأن ينكح وإن شفع بأن يشفع".
وبهذا يظهر أنّ الشفاعة تكون في دفع المضرة وتكون في جلب المنفعة قال :
فذاك فتًى إن تأته في صنيعة
إلى ماله لا تأته بشفيع...