ولما حث سبحانه وتعالى على الإنفاق ختم الآية بذم الكافرين لكونهم لم يتحلوا بهذه الصفة لتخليهم من الإيمان وبعدهم عنه وتكذيبهم بذلك اليوم فهم لا ينفقون لخوفه ولا رجائه فقال بدل - ولا نصرة لكافر :﴿والكافرون﴾ أي المعلوم كفرهم في ذلك اليوم، وهذا العطف يرشد إلى أن التقدير : فالذين آمنوا يفعلون ما أمرناهم به لأنهم المحقون، والكافرون ﴿هم﴾ المختصون بأنهم ﴿الظالمون﴾ أي الكاملون في الظلم لا غيرهم، ومن المعلوم أن الظالم خاسر وأنه مخذول غير منصور، لأنه يضع الأمور في غير مواضعها، ومن كان كذلك لا يثبت له أمر ولا يرتفع له شأن بل هو دائماً على شفا جرف هار، ولأجل ذلك يختم سبحانه وتعالى كثيراً من آياته بقوله ﴿وما للظالمين من أنصار﴾ [ البقرة : ٢٧٠ ] فقد انتفى بذلك جميع أنواع الخلاص المعهودة في الدنيا في ذلك اليوم من الافتداء بالمال والمراعاة لصداقة أو عظمة ذي شفاعة أو نصرة بقوة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٩٣ ـ ٤٩٤﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿والكافرون هُمُ الظالمون﴾ فنقل عن عطاء بن يسار أنه كان يقول : الحمد لله الذي قال :﴿والكافرون هُمُ الظالمون﴾ ولم يقل الظالمون هم الكافرون، ثم ذكروا في تأويل هذه الآية وجوهاً
أحدها : أنه تعالى لما قال :﴿وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شفاعة﴾ أوهم ذلك نفي الخلة والشفاعة مطلقاً، فذكر تعالى عقيبه :﴿والكافرون هُمُ الظالمون﴾ ليدل على أن ذلك النفي مختص بالكافرين، وعلى هذا التقدير تصير الآية دالة على إثبات الشفاعة في حق الفساق، قال القاضي : هذا التأويل غير صحيح لأن قوله :﴿والكافرون هُمُ الظالمون﴾ كلام مبتدأ فلم يجب تعليقه بما تقدم.
والجواب : أنا لو جعلنا هذا الكلام مبتدأ، تطرق الخُلفْ إلى كلام الله تعالى، لأن غير الكافرين قد يكون ظالماً، أما إذا علقناه بما تقدم زال الإشكال فوجب المصير إلى تعليقه بما قبله.


الصفحة التالية
Icon