كَأَنَّهُ يَقُولُ : إِنَّنَا مَا رَزَقْنَاكُمُ الرِّزْقَ الْحَسَنَ وَاسْتَخْلَفْنَاكُمْ فِيهِ إِلَّا وَقَدْ نَقَلْنَاهُ مِنْ أَيْدِي قَوْمٍ أَسَاءُوا التَّصَرُّفَ فَحَبَسُوا الْمَالَ وَأَمْسَكُوهُ عَنِ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ الَّتِي يَرْتَقِي بِهَا شَأْنُ الْبَشَرِ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالْخَيْرِ، فَلَا تَكُونُوا مِثْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَقَوْمَهُمْ بِبُخْلِهِمْ، فَكَانُوا كَافِرِينَ بِنِعَمِ اللهِ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ، إِذْ لَمْ يَضَعُوهَا فِي مَوَاضِعِهَا ; وَلِذَلِكَ خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ : وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
أَمَّا الْبَيْعُ وَالْخُلَّةُ وَالشَّفَاعَةُ فَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ بِنَفْيِهَا طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْعِ الْكَسْبُ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُبَادَلَةِ وَالْمُعَارَضَةِ. وَالْمُرَادُ بِالْخُلَّةِ - وَهِيَ الصَّدَاقَةُ وَالْمَحَبَّةُ لِلْقَرَابَةِ وَغَيْرِهَا - لَازِمُهَا، وَهُوَ مَا يَكُونُ وَرَاءَهَا مِنَ الْكَسْبِ كَالصِّلَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ. وَبِالشَّفَاعَةِ - وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ - لَازِمُهَا فِي الْكَسْبِ وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ إِقْطَاعَاتِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لِبَعْضِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا بِالتَّوَسُّلِ إِلَيْهِمْ وَالشَّفَاعَةِ عِنْدَهُمْ، فَهَذِهِ الثَّلَاثُ مِنْ طَرَائِقِ جَمْعِ الْمَالِ وَسَعَةِ الرِّزْقِ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ يَقُولُ - مَا مَعْنَاهُ - : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بَادِرُوا إِلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ مِمَّا تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَأَنْتُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ


الصفحة التالية
Icon