لأنه لو حصل وجودان كل واحد منهما واجب لذاته لكانا مشتركين في الوجوب بالذات ومتغايرين بالنفي، وما به المشاركة مغاير لما به الممايزة، فيكون كل واحد منهما مركباً في الوجوب الذي به المشاركة، ومن الغير الذي به الممايزة، وكل مركب فهو مفتقر إلى كل واحد من جزئه وجزء غيره، وكل مركب فهو مفتقر إلى غيره، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن لذاته، فلو كان واجب الوجود أكثر من واحد لما كان شيء منها واجب الوجود وذلك محال، ولما بطلل هذان القسمان ثبت أنه حصل في مجموع الموجودات موجود واحد واجب الوجود لذاته وأن كل ما عداه فهو ممكن لذاته موجود بإيجاد ذلك الموجود الذي هو واجب الوجود لذاته، ولما بطل هذان فالواجب لذاته موجود لذاته وبذاته، ومستغن في وجوده عن كل ما سواه، وأما كل ما سواه فمفتقر في وجوده وماهيته إلى إيجاد الواجب لذاته، فالواجب لذاته قائم بذاته وسبب لتقوم كل ما سواه في ماهيته وفي وجوده، فهو القيوم الحي بالنسبة إلى كل الموجودات، فالقيوم هو المتقوم بذاته، المقوم لكل ما عداه في ماهيته ووجوده، ولما كان واجب الوجود لذاته كان هو القيوم الحق بالنسبة إلى الكل، ثم إنه لما كان المؤثر في الغير إما أن يكون مؤثراً على سبيل العلية والإيجاب وإما أن يكون مؤثراً على سبيل الفعل والاختيار : لا جرم أزال وهم كونه مؤثراً بالعلية والإيجاب بقوله ﴿الحى القيوم﴾ فإن ﴿الحى﴾ هو الدراك الفعال، فبقوله ﴿الحى﴾ دل على كونه عالماً قادراً، وبقوله ﴿القيوم﴾ دل على كونه قائماً بذاته ومقوماً لكل ما عداه، ومن هذين الأصلين تتشعب جميع المسائل المعتبرة في علم التوحيد.


الصفحة التالية
Icon