وقال أبو هريرة : خير بني آدم نوح وإبراهيم وموسى ومحمد ﷺ، وهم أولو العزم من الرسل، وهذا نص من ابن عباس وأبي هريرة في التعيين، ومعلوم أن من أُرسل أفضل ممن لم يُرسل، فإنّ من أُرسل فُضِّل على غيره بالرسالة واستووا في النبوّة إلى ما يلقاه الرسل من تكذيب أُممهم وقتلهم إياهم، وهذا مما لا خفاء فيه، إلاَّ أن ابن عطية أبا محمد عبد الحق قال : إن القرآن يقتضي التفضيل، وذلك في الجملة دون تعيين أحد مفضول، وكذلك هي الأحاديث ؛ ولذلك قال النبيّ ﷺ :" أنا أكرم ولد آدم على ربي " وقال :" أنا سيد ولد آدم " ولم يعيِّن، وقال عليه السَّلام :" لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن مَتّى " وقال :" لا تفضِّلوني على موسى " وقال ابن عطية : وفي هذا نهي شديد عن تعيين المفضول ؛ لأن يونس عليه السَّلام كان شاباً وتفَسّخ تحت أعْبَاء النبوّة.
فإذا كان التوقيف لمحمد ﷺ فغيره أحرى.
قلت : ما اخترناه أولى إن شاء الله تعالى ؛ فإن الله تعالى لما أخبر أنه فضل بعضهم على بعض جعل يُبيِّن بعض المتفاضلين ويذكر الأحوال التي فُضِّلوا بها فقال :﴿ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ البينات ﴾ وقال :﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ﴾ [ الإسراء : ٥٥ ] وقال تعالى :﴿ وَآتَيْنَاهُ الإنجيل ﴾ [ المائدة : ٤٦ ]، ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ ﴾
[ الأنبياء : ٤٨ ] وقال تعالى :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً ﴾ [ النمل : ١٥ ] وقال :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ ﴾ [ الأحزاب : ٧ ] فعمّ ثم خصّ وبدأ بمحمد ﷺ، وهذا ظاهر.
قلت : وهكذا القول في الصحابة إن شاء الله تعالى، اشتركوا في الصحبة ثم تباينوا في الفضائل بما منحهم الله من المواهب والوسائل، فهم متفاضلون بتلك مع أن الكل شملتهم الصحبة والعدالة والثناء عليهم، وحسبك بقوله الحق :﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار ﴾ [ الفتح : ٢٩ ] إلى آخر السورة.
وقال :﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى وكانوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ﴾ [ الفتح : ٢٦ ] ثم قال :﴿ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وَقَاتَلَ ﴾ [ الحديد : ١٠ ] وقال :﴿ لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة ﴾ [ الفتح : ١٨ ] فعمّ وخص، ونفي عنهم الشين والنقص، رضي الله عنهم أجمعين ونفعنا بحبهم آمين. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٦١ ـ ٢٦٤﴾


الصفحة التالية
Icon