أَقُولُ : وَقَدْ خَاضَ عُلَمَاءُ الْعَقَائِدِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ الْإِلَهِيِّ وَالتَّكْلِيمِ وَتَبِعَهُمُ الْمُفَسِّرُونَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ كَالْمُعْتَزِلَةِ : إِنَّ التَّكْلِيمَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ اللهِ - تَعَالَى - كَالتَّعْلِيمِ وَالْكَلَامُ مَا يَكُونُ بِهِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ : إِنَّ كَلَامَ اللهِ - تَعَالَى - صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ مَا فِي عِلْمِهِ، وَتَكْلِيمُهُ الرُّسُلَ عِبَارَةٌ عَنْ إِعْلَامِهِمْ بِمَا شَاءَ مِنْ عِلْمِهِ، وَمَا بِهِ الْإِعْلَامُ هُوَ كَلَامُ اللهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي رِسَالَةِ التَّوْحِيدِ : شَأْنٌ مِنْ شُئُونِهِ قَدِيمٌ بِقِدَمِهِ، أَيْ : إِنَّهُ - تَعَالَى - مُتَّصِفٌ فِي الْأَزَلِ بِالْكَلَامِ، أَيْ بِالصِّفَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا التَّكْلِيمُ مَتَى شَاءَ، كَمَا أَنَّهُ مُتَّصِفٌ فِي الْأَزَلِ بِالْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا يَكُونُ الْخَلْقُ وَالتَّقْدِيرُ مَتَى شَاءَ، هَذَا أَوْضَحُ مَا يُبَيَّنُ بِهِ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي كَلَامِ اللهِ - تَعَالَى - النَّفْسِيِّ، وَهُوَ أَنَّ لَهُ صِفَةً ذَاتِيَّةً، بِهَا يُعَلِّمُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ عِلْمِهِ
مَتَى شَاءَ، وَهَذَا الْإِعْلَامُ هُوَ التَّكْلِيمُ وَالْوَحْيُ، وَلَا يَجُوزُ لَنَا الْبَحْثُ عَنْ كَيْفِيَّةِ كَلَامِهِ الْقَدِيمِ، وَلَا عَنْ كَيْفِيَّةِ تَكْلِيمِهِ رُسُلَهُ وَإِيحَائِهِ إِلَيْهِمْ.


الصفحة التالية
Icon