قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مِثَالُهُ مَبْسُوطًا : إِذْ جَرَيْنَا فِي فَهْمِ الْآيَةِ عَلَى تَفْسِيرِ مُفَسِّرِنَا " الْجَلَالِ " وَأَضْرَابِهِ نَكُونُ جَبْرِيَّةً لَا نَقْبَلُ دِينًا وَلَا شَرْعًا، وَلَا يَكُونُ لَنَا فِي الْكَلَامِ عِبْرَةٌ ; لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا قُصَارَاهُ : إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - هُوَ الَّذِي غَرَسَ فِي قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِ الْأَنْبِيَاءِ بُذُورَ الْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ، وَقَضَى عَلَيْهِمْ بِمَا أَلْزَمَهُمُ الْعُدْوَانَ وَالِاقْتِتَالَ، فَإِنَّهُ شَاءَ أَنْ يَكُونُوا هَكَذَا، فَكَانُوا مُضْطَرِّينَ فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ كَانَ لَهُمُ اخْتِيَارٌ مَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، فَلْنَدَعْ هَذَا وَلْنَنْظُرْ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْقَلِيلَةُ مِنِ اتِّفَاقِ حِكْمَةِ اللهِ - تَعَالَى - مَعَ مَشِيئَتِهِ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَسُنَنِهِ فِي شُئُونِهِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، لَمْ يَخْلُقِ اللهُ النَّاسَ بِقُوًى مَحْدُودَةٍ مُتَسَاوِيَةٍ فِي أَفْرَادِهِمْ لَا تَتَجَاوَزُ طَلَبَ مَا بِهِ قِوَامُ الْحَسْمِ بِالْإِلْهَامِ الْفِطْرِيِّ وَالْإِدْرَاكِ الْجُزْئِيِّ، كَالْأَنْعَامِ السَّائِمَةِ وَالطُّيُورِ الْحَائِمَةِ، بَلْ خَلَقَ الْإِنْسَانَ كَمَا نَعْرِفُهُ الْآنَ، جَعَلَ لَهُ عَقْلًا يَتَصَرَّفُ فِي أَنْوَاعِ شُعُورِهِ، وَفِكْرًا يَجُولُ فِي طُرُقِ حَاجَاتِهِ الْبَدَنِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ، وَجَعَلَ ارْتِقَاءَهُ فِي إِدْرَاكِهِ وَأَفْكَارِهِ كَسْبِيًّا، يَنْشَأُ ضَعِيفًا فَيَقْوَى بِالتَّدْرِيجِ حَسَبَ التَّرْبِيَةِ الَّتِي يُحَاطُ بِهَا، وَالتَّعْلِيمِ الَّذِي يَتَلَقَّاهُ، وَتَأْثِيرِ حَوَادِثِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَالْأُسْوَةِ وَالتَّجَارِبِ فِيهِ، وَجَعَلَ هِدَايَةَ الدِّينِ لَهُ


الصفحة التالية
Icon