ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : يُمْكِنُ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِمِثْلِ مَا فُسِّرَتْ بِهِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى، وَالْأَوْلَى أَنْ تُفَسَّرَ بِوَجْهٍ آخَرَ أَخَصَّ، كَأَنْ يُقَالَ : لَوْ شَاءَ اللهُ - تَعَالَى ـ أَنْ تَكُونَ سُنَّتُهُ فِي الْإِنْسَانِ - عَلَى مَا فُطِرَ عَلَيْهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ - أَنْ يَعْذُرَ الْمُخْتَلِفُونَ مِنْ أَفْرَادِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيُوَطِّنَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يَنْتَصِرَ لِرَأْيِهِ بِالْحُجَّةِ، وَيَسْعَى إِلَى مَصْلَحَتِهِ بِالْفِطْنَةِ لَمَا اقْتَتَلُوا عَلَى مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَهُمْ دَرَجَاتٍ فِي الْفَهْمِ وَالْحَزْمِ، وَأَوْدَعَ فِي غَرَائِزِهِمُ الْمُدَافَعَةَ عَنْ حَقِيقَتِهِمْ وَالنِّضَالَ دُونَ مَصْلَحَتِهِمْ بِكُلِّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، فَالْقَوِيُّ بِالرَّأْيِ يُحَارِبُ بِالرَّأْيِ وَالْقَوِيُّ بِالسَّيْفِ يُقَاوِمُ بِالسَّيْفِ، فَكَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الرَّأْيِ وَالْمَصَالِحِ مَعًا مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ مُؤَدِّيًا إِلَى الِاقْتِتَالِ لَا مَحَالَةَ. قَالَ : هَكَذَا خَلَقَ الْإِنْسَانَ، فَلَا يُقَالُ : لِمَ خَلَقَهُ هَكَذَا ؟ لِأَنَّ هَذَا بَحْثٌ عَنْ أَسْرَارِ الْخِلْقَةِ كَكِبَرِ أُذُنَيِ الْحِمَارِ وَصِغَرِ أُذُنَيِ الْجَمَلِ وَلِذَلِكَ قَالَ : وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ أَيْ إِنَّ اخْتِصَاصَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْمَزَايَا هُوَ أَثَرُ إِرَادَتِهِ وَتَخْصِيصِهَا فَلَا مَرَدَّ لَهُ.


الصفحة التالية
Icon