قَدِ اهْتَدَى الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ عُمْرِهِ إِلَى مَضَارِّ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَإِلَى أَنَّهُ لَا نَجَاةَ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا بِحُكْمِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ السَّلَفُ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِمَّا قُلْنَا، فَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ " الْقِسْطَاسُ الْمُسْتَقِيمُ " مُنَاظَرَةً دَارَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِ الْبَاطِنِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ زَمَنٍ مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَيُطَاعُ طَاعَةً عَمْيَاءَ، وَإِنَّنَا نُورِدُ بَعْضَ كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - بَعْدَ كَلَامٍ فِي الِاخْتِلَافِ :
فَقَالَ - أَيْ مُنَاظِرُهُ الْبَاطِنِيُّ - : كَيْفَ نَجَاةُ الْخَلْقِ مِنْ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ ؟ قُلْتُ : إِنْ أَصْغَوْا إِلَيَّ رَفَعْتُ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ بِكِتَابِ اللهِ - تَعَالَى -، وَلَكِنْ لَا حِيلَةَ فِي إِصْغَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُصْغُوا بِأَجْمَعِهِمْ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَلَا إِلَى إِمَامِكَ فَكَيْفَ يُصْغُونَ إِلَيَّ ؟ وَكَيْفَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْإِصْغَاءِ وَقَدْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَزَلِ بِأَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ
رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ، وَكَوْنُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ ضَرُورِيًّا تَعْرِفُهُ مِنْ كِتَابِ :" جَوَابُ مُفَصَّلِ الْخِلَافِ وَهُوَ الْفُصُولُ الِاثْنَا عَشَرَ ".
" فَقَالَ : فَلَوْ أَصْغَوْا إِلَيْكَ كَيْفَ كُنْتَ تَفْعَلُ ؟ قُلْتُ : كُنْتُ أُعَامِلُهُمْ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ - تَعَالَى - وَأَنْزَلَنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ [٥٧ : ٢٥]


الصفحة التالية
Icon