ومثال آخر : إن الإنسان حين ينظف ثوبه، لو أنه استعرض أعمال من سبقوه في هذا الموضوع منذ آدم، لعلم أن كل واحد سبقه في الوجود أعطاه مرحلة من النفعية إلى أن وصل للغسالة الكهربائية التي تغسل له بدون تعب، كل هذه الأشياء جاءت له بهدايات من الله. وقد قلت مرة : لماذا طبخت الناس " الكوسة" ولم تطبخ " الخيار" ؟ إن هذه دليل على أن هناك تجارب كثيرة مرت على الإنسان حتى يميز طعم الكوسة المطبوخة عن الخيار، وكذلك طبخ الناس الملوخية ولم يطبخوا النعناع، مع أن النعناع احسن منها، حدث ذلك ؛ لأن هناك تجارب وصلتنا بأن النعناع لا يستساغ طعمه مطبوخا.
وأنت لو نظرت إلى أي شيء تستفيد به اليوم، وقدرت الأعمال التي تداولته من يوم أن وجد، ستجد أن الحق قد قدر لكل إنسان عملاً ومجالاً، وظل يخدمك أنت. ومادمت قد خدمت بهؤلاء الناس كلهم من أول آدم وحتى اليوم، فلابد أن تنظر لترى ماذا ستقدم لمن يأتي من بعدك، فلا تكن كسولاً في الحياة ؛ تأخذ خير غيرك كله في الوجود، وبعد ذلك لا تعطي أي شيء، بل لابد أن يكون لك عطاء، فكما أخذت من بيئتك لابد أن تعطي هذه البيئة، ولو لم يوجد هذا لما ارتقت الحياة ؛ لأن معنى ارتقاء الحياة أن إنساناً أخذ خبرة من سبقوه، وحاول أن يزيد عليها، أي أن يأخذ اكبر ثمرة بأقل مجهود.


الصفحة التالية
Icon