إذن ما الذي جعل الناس تقتتل فيما بينها ؟ إنه الاختلاف بين الناس، لقد اختلفوا فاقتتلوا. لكن ألا يمكن أن يكونوا قد اختلفوا ولم يقتتلوا ؟ إن ذلك لو حدث لكان إجماعا على الفساد. والحق سبحانه لا يريد أن يحدث الإجماع على الفساد، فإن لم يسيطر الخير على أمور البشر فلا أقل من أن يظل عنصر الخير موجودا، ويأتي واحد ليجد عنصر الخير وينميه. إن الحق سبحانه لا يمحو في أزمنة الباطل معالم الخير والأفعال الحسنة، بل يستبقى ـ سبحانه ـ معالم الخير والأفعال الحسنة ليذهب إليها أي إنسان يريد الخير، وقد يكون الخير ضعيفا، ولكن الله لا يمحوه ؛ لأنه يعطي به دفعة جديدة لمؤمنين جدد يرفعون راية الحق، وإن بدأوا ضعفاء. ولذلك نجد الرسول الكريم ﷺ يقول :(لولا عباد الله ركع وصبية رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا" رواه الطبرانى فى الكبير والبيهقى فى السنن الكبرى.
إن الرسول ﷺ ينبهنا ألا ننظر إلى الضعفاء على أنهم عالة وأننا أقوياء لمجرد أنهم يعيشون في أكنافنا. بل قد يكونون سياج لطف ورحمة كما في الحديث السابق. إن الله سبحانه وتعالى رفع عنا العذاب من أجل وجود الضعفاء بيننا، لأن في الضعاف يوجد شيء من الخير، ولتظل في الوجود خلية من الخير حتى إذا ما أراد الوجود أن يفيق إلى الرشد فإنه سيجد من الخير ما يرشده. إذن لولا الاقتتال لعم الفساد، وانتهت المسألة. لكن الناس اختلفت فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، " ولو شاء الله ما اقتتلوا" أي لظلوا على منهج واحد من الكفر أو من الفساد، لكن الله يفعل ما يريد. وفي الاقتتال ـ كما نعرف ـ هناك تضحيات بالنفس، وتضحيات من أجل أن تظل القيم السماوية على الأرض.