لباب التأويل، ج ١، ص : ١١
وَيَلْعَبْ وباعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وبِعَذابٍ بَئِيسٍ وقيل هي سبع قراءات وهو الصحيح الموافق للحديث لأن هذه السبعة ظهرت واستفاضت عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وضبطها عنه الصحابة وأثبتها عثمان والجماعة في المصاحف وأخبروا بصحتها وحذفوا منها ما لم يثبت متواترا. وإن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى وليست متضادة ولا متباينة.
فأما من قال إن المراد بالأحرف سبعة معان مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ محض لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف وقد تقرر إجماع المسلمين على أنه يحرم إبدال آية أمثال بآية أحكام، وقول من قال إن المراد خواتيم الآي فيجعل مكان غفور رحيم سميع عليم ففاسد أيضا وخطأ للإجماع على أنه لا يجوز تغيير نظم القرآن واللّه أعلم (ق) عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«أقرأني جبريل على حرف فراجعته فزادني فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» معنى الحديث لم أزل أطلب من جبريل أن يطلب من اللّه عزّ وجلّ الزيادة في الأحرف للتوسعة والتخفيف ويسأل جبريل ربه عزّ وجلّ فيزيده حتى انتهى إلى السبعة (م) عن أبي بن كعب رضي اللّه عنه قال : كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت : إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه فدخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأ فحسن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى اللّه عزّ وجلّ فرقا فقال لي : يا أبي أرسل إليّ أن اقرأ على حرف واحد فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فرد إليّ الثانية أن اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فرد إليّ الثالثة أن أقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها فقلت : اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم ترغب إلى الناس كلهم حتى إبراهيم.
(قوله فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية) معناه وسوس لي الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية لأنه كان في الجاهلية غافلا ومشككا فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب. وقيل :
معناه أنه اعترته حيرة ودهشة ونزغ الشيطان في قلبه تكذيبا لم يعتقده وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها الإنسان لا يؤاخذ بها.
(قوله ضرب في صدري ففضت عرقا) قال القاضي عياض : ضربه صلّى اللّه عليه وسلّم في صدره تثبيتا له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم.
(قوله وكأنما انظر إلى اللّه تعالى فرقا) الفرق بالتحريك الخوف والخشية والمعنى أنه غشيه من الهيبة والخوف والعظمة حين ضربه ما أزال عنه ذلك الخاطر.
(قوله ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها) معناه مسألة مجابة قطعا وأما باقي الدعوات فمرجوة الإجابة وليست قطعية الإجابة واللّه أعلم. روى البغوي بسنده عن ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«إن القرآن نزل على سبعة أحرف لكل آية منه ويروي لكل حرف منه ظهر وبطن ولكل حد مطلع» قيل في معناه الظهر لفظ القرآن والبطن تأويله. وقيل في معناه الظهر ما حدث عن أقوام أنهم عصوا فعوقبوا فهو في الظاهر خبر وفي الباطن عظة. وقيل الظهر التلاوة باللسان كما أنزل، والبطن التدبر والتفهم والتفكر بالقلب فالتلاوة باللسان كما تكون بالتعليم والتلقين والتدبر والتفهم تكون بصدق النية وتعظيم الحرمة وإخلاص العمل وطيب المطعم من الحلال المحض.
(قوله ولكل حد مطلع) معناه، مصعد يصعد إليه من معرفة علمه. وقيل المطلع الفهم وقد يفتح اللّه تعالى