لباب التأويل، ج ١، ص : ١٨
والاستفاضة ولأن الصحابة أجمعوا على عدد كثير من السور منها سورة الملك ثلاثون آية وسورة الكوثر ثلاث آيات وسورة الإخلاص أربع آيات فلو كانت البسملة منها لكانت خمسا. وأما حجة من ذهب إلى إثباتها في أوائل السور من جهة النقل فقد صح عن أم سلمة «أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية منها» وعن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما في قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ قال هي فاتحة الكتاب قيل فأين السابعة قال بسم اللّه الرحمن الرحيم أخرجهما ابن خزيمة وغيره، وروى عن ابن عباس :
«أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان لا يعلم فصل السورة وفي رواية انقضاء السورة حتى ينزل عليه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» أخرجه أبو داود والحاكم أبو عبد اللّه في مستدركه وقال فيه : إنه صحيح على شرط الشيخين. وروى الدارقطني عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إذا قرأ تم الحمد للّه فاقرؤوا بسم اللّه الرحمن الرحيم فإنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم اللّه الرحمن الرحيم أحد آياتها» قال الدارقطني في رجال إسناده كلهم ثقات وروى موقوفا، وروى الدار قطني عن أم سلمة «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين إلى آخرها قطعها آية آية وعدّها عد الأعراب، وعدّ بسم اللّه الرحمن الرحيم آية ولم يعد عليهم» وأخرج مسلم في أفراده عن أنس قال :«بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين أظهرنا إذ غفا غفوة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول اللّه؟ قال أنزلت عليّ آنفا سورة فقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ الحديث. قال البيهقي : أحسن ما احتج به أصحابنا في أن بسم اللّه الرحمن الرحيم من القرآن وأنها من فواتح السور سوى سورة براءة ما رويناه في جمع الصحابة كتاب اللّه عز وجل في المصاحف وأنهم كتبوا فيها بسم اللّه الرحمن الرحيم على رأس كل سورة سوى سورة براءة فكيف يتوهم متوهم أنهم كتبوا فيها مائة وثلاثة عشر آية ليست في القرآن، قال وقد علمنا بالروايات الصحيحة عن ابن عباس أنه كان يعد بسم اللّه الرحمن الرحيم آية من الفاتحة وروى الشافعي بسنده عن ابن عمر أنه كان لا يدع بسم اللّه الرحمن الرحيم لأمّ القرآن والسورة التي بعدها زاد غيره عنه إنه كان يقول لما كتبت في المصحف لم لم تقرأ وروى الشافعي عن ابن عباس أنه كان يفعله ويقول انتزع الشيطان منهم خير آية في القرآن.
وفي أفراد البخاري من حديث أنس «أنه سئل كيف كانت قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال كانت مدّا ثم قرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم يمد اللّه ويمد الرحمن ويمد الرحيم» فقد ثبت بهذه الأدلة الصحيحة الواضحة أن البسملة من الفاتحة من كل موضع ذكرت فيه وأيضا فأجمع الصحابة على إثباتها في المصاحف، وأنهم طلبوا بكتابة المصاحف تجريد كلام اللّه عز وجل المنزل على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قرآنا وتدوينه مخافة من أن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه، ولهذا لم يكتبوا فيه لفظة آمين، وإن كان قد ورد أنه كان يقولها بعد الفاتحة فلو لم تكن البسملة من القرآن في أوائل السور لما كتبوها وكان حكمها حكم آمين.
(المسألة الثانية في حكم الجهر بالبسملة والإسرار) إذا ثبت بما تقدم من الأدلة أن البسملة آية من الفاتحة ومن غيرها من السور حيث كتبت كان حكمها في الجهر والإسرار حكم الفاتحة فيجهر بها مع الفاتحة في الصلاة الجهرية ويسر بها مع الفاتحة في الصلاة السرية وممن قال بالجهر بالبسملة من الصحابة أبو هريرة وابن عباس وابن عمر وابن الزبير. ومن التابعين فمن بعدهم سعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وعكرمة وعطاء وطاوس ومجاهد وعلي بن الحسين وسالم بن عبد اللّه ومحمد بن كعب القرظي وابن سيرين وابن المنكدر ونافع مولى ابن عمر ويزيد بن أسلم وعمر ومكحول وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار ومسلم بن خالد وإليه ذهب الشافعي وهو أحد قولي ابن وهب صاحب مالك ويحكى أيضا عن ابن المبارك وأبي ثور. وممن ذهب إلى الإسرار بها من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وعمار بن ياسر وابن مغفل وغيرهم. ومن التابعين فمن بعدهم الحسن والشعبي وإبراهيم النخعي وقتادة والأعمش والثوري وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم. أما حجة من قال بالجهر فقد روى جماعة من