لباب التأويل، ج ١، ص : ٢١
عليهم. والغضب في الأصل هو ثوران دم القلب لإرادة الانتقام ومنه قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«اتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه» وإذا وصف اللّه به فالمراد منه الانتقام فقط دون غيره وهو انتقامه من العصاة وغضب اللّه لا يلحق عصاة المؤمنين إنما يلحق الكافرين وَلَا الضَّالِّينَ أي وغير الضالين عن الهدى وأصل الضلال الغيبوبة والهلاك يقال ضل الماء في اللبن إذا غاب فيه وهلك وقيل غير المغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى. عن عدي بن حاتم عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال» أخرجه الترمذي، وذلك لأن اللّه تعالى حكم على اليهود بالغضب فقال : مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وحكم على النصارى بالضلال فقال : وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وقيل : غير المغضوب عليهم بالبدعة ولا الضالين عن السنّة واللّه أعلم.
(فصل : في آمين وحكم الفاتحة) وفيه مسألتان : الأولى :
السنّة للقارئ بعد فراغه من الفاتحة أن يقول آمين مفصولا عنها بسكتة، وهو مخفف وفيه لغتان المد والقصر قال في المد : ويرحم اللّه عبدا قال آمينا. وقال في القصر : آمين فزاد اللّه ما بيننا بعدا. ومعنى آمين اللهم اسمع واستجب. وقال ابن عباس : معناه كذلك يكون. وقيل : هو اسم من أسماء اللّه تعالى وقيل هو خاتم اللّه تعالى على عباده به يدفع عنهم الآثام (ق) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إذا أمن الإمام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» قال ابن شهاب : وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول آمين وفي رواية للبخاري «أن الإمام إذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
(قوله : فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة). معناه وافقهم في وقت التأمين فأمن مع تأمينهم، وقيل : وافقهم في الصفة والخشوع والإخلاص والقول الأول هو الصحيح. واختلفوا في هؤلاء الملائكة فقيل هم الحفظة وقيل غيرهم من الملائكة.
(قوله غفر له ما تقدم من ذنبه) : يعني تغفر له الذنوب الصغائر دون الكبائر وقول ابن شهاب : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول آمين معناه أن هذه صيغة تأمينه صلّى اللّه عليه وسلّم.
المسألة الثانية في حكم الفاتحة : اختلف العلماء في وجوب قراءة الفاتحة فذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى وجوب الفاتحة وأنها متعينة في الصلاة ولا تجزئ إلا بها، واحتجوا بما روى عبادة بن الصامت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» أخرجاه في الصحيحين وبحديث أبي هريرة :«من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ثلاثا غير تمام» الحديث وقد تقدم في فضل سورة الفاتحة وذهب أبو حنيفة إلى أن الفاتحة لا تتعين على المصلي بل الواجب عليه قراءة آية من القرآن طويلة أو ثلاث آيات قصار واحتج بقوله تعالى : فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وبقوله صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث الأعرابي المسيء صلاته «ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن» أخرجاه في الصحيحين دليل الجمهور ما تقدم من الأحاديث. فإن قيل المراد من الحديث لا صلاة كاملة قلنا هذا خلاف ظاهر لفظ الحديث ومما يدل عليه حديث أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» أخرجه الدار قطني وقال إسناده صحيح وعنه «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمره أن يخرج فينادي لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما زاد» أخرجه أبو داود. وأجيب عن حديث الأعرابي بأنه محمول على الفاتحة فإنها متيسرة أو على ما زاد على الفاتحة أو على العاجز عن قراءة الفاتحة، واللّه أعلم.