لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٢٨
الإصبعين والقدرة واحدة لأنه جرى على المعهود من التمثيل بحسب ما اعتادوه وإن كان غير مقصود به التثنية أو الجمع، وهذا مذهب جمهور المتكلمين وغيرهم من المتأخرين. وإنما خص القلوب بالذكر لفائدة وهي أن اللّه تعالى جعل القلوب، محلا للخواطر والإرادات والنيات وهي مقدمات الأفعال ثم جعل سائر الجوارح تابعة للقلوب في الحركات والسكنات واللّه أعلم. قوله عز وجل : رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ أي ليوم القضاء. وقيل : اللام بمعنى في أي يوم لا ريب فيه أي لا شك فيه أنه كائن وهو يوم القيامة إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ هذا من بقية دعاء الراسخين في العلم، وذلك أنهم طلبوا من اللّه تعالى أن يصرف قلوبهم عن الزيغ وأن يخصهم بالهداية والرحمة وذلك من مصالح الدين والدنيا ثم إنهم اتبعوا ذلك بقولهم : رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ ومعناه إنا نعلم أنك جامع الناس للجزاء في يوم القيامة، ونعلم أن وعدك حق، وأنك لا تخلف الميعاد فمن أزغت قلبه فهو هالك، ومن مننت عليه بالهداية والرحمة فهو ناج من العذاب سعيد. قوله عز وجل :
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ابن عباس : هم قريظة والنضير لَنْ تُغْنِيَ أي لن تنفع ولن تدفع عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي من عذاب اللّه شيئا وقيل : من بمعنى عند أي عند اللّه شيئا وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ قال ابن عباس : كفعل آل فرعون وصنيعهم في الكفر. وقيل : كسنة آل فرعون وقيل كعادة آل فرعون والمعنى أن عادة هؤلاء الكفار في تكذيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وجحود الحق كعادة آل فرعون فإنهم كذبوا موسى وصدقوا فرعون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني كفار الأمم الماضية مثل عاد وثمود وغيرهم كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني لما جاءتهم بها الرسل فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ أي فعاقبهم اللّه بسبب تكذيبهم وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ وقيل في معنى الآية : إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم عند حلول النقمة والعقوبة مثل آل فرعون وكفار الأمم الخالية فأخذناهم فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم. قوله عز وجل :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢ الى ١٣]
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣)
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ قرئ بالتاء والياء فيهما فمن قرأ بالياء المنقوطة تحت فمعناه بلغهم يا محمد أنهم سيغلبون ويحشرون، ومن قرأ التاء المنقوطة فوق فمعناه قل لهم : ستغلبون وتحشرون إِلى جَهَنَّمَ قيل : أراد بالذين كفروا مشركي قريش والمعنى قل لكفار مكة : ستغلبون يوم بدر وتحشرون في الآخرة إلى جهنم فلما نزلت هذه الآية قال لهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر : إن اللّه غالبكم وحاشركم إلى جهنم وقيل : إن أبا سفيان جمع جماعة من قومه بعد وقعة بدر فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقيل : إن هذه الآية نزلت في اليهود. وقال ابن عباس : إن يهود المدينة قالوا لما هزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين يوم بدر، هذا واللّه النبي الذي بشر به موسى لا ترد له راية وأرادوا إتباعه ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى تنظروا واقعة أخرى. فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شكوا وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا، وكان بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهد إلى مدة فنقضوا العهد وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى مكة ليستفزهم فأجمعوا أمرهم على قتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقال ابن عباس وغيره : لما أصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قريشا يوم بدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال : يا معشر اليهود احذروا من اللّه مثل ما أنزل بقريش يوم بدر، وأسلموا قبل أن ينزل لكم ما نزل بهم فقد عرفتم إني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم فقالوا : يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة وإنا اللّه لو قاتلناك لعرفت إنا نحن الناس.
فأنزل اللّه عز وجل قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني من اليهود سَتُغْلَبُونَ أي ستهزمون وَتُحْشَرُونَ يعني في الآخرة إلى جهنم وَبِئْسَ


الصفحة التالية
Icon