لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٣٢
فيعاود الصلاة فإذا قلت نعم قعد يستغفر ويدعو حتى يصلي الصبح. (ق) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«قال :
ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير فيقول : من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له. وفي لفظ مسلم فيقول : أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني الحديث وله في رواية أخرى فيقول : هل من سائل؟ فيعطى هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له حتى ينفجر الصبح»؟ هذا الحديث من أحاديث الصفات وللعلماء فيه وفي أمثاله مذهبان معروفان مذهب السلف الإيمان به وإجراؤه على ظاهره ونفي الكيفية عنه، والمذهب الثاني هو مذهب من يتأول أحاديث الصفات. قال أبو سليمان الخطابي : إنما ينكر هذا الحديث من يقيس الأمور على ما يشاهده من النزول الذي هو تدل من أعلى إلى أسفل، وانتقال من فوق إلى تحت وهذا صفة الأجسام، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه، وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم، ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله دعاءهم، ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وقيل في قوله :
والمستغفرين بالأسحار وصف اللّه تعالى هؤلاء بما وصف ثم بين أنهم مع ذلك لشدة خوفهم ووجلهم أنهم يستغفرون بالأسحار. وروي أن لقمان قال لابنه : يا بني لا تكن أعجز من الديك فإنه يصوت بالأسحار وأنت نائم الجنة. قوله عز وجل :
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٩]
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩)
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ قال الكلبي : نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام والمعنى :
وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ يعني بيان نعته وصفته في كتبهم. وقال الربيع : إن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين رجلا من خيار بني إسرائيل وأودعهم التوراة واستخلف يوشع بن نون، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة والاختلاف، بينهم، وهم الذين أوتوا الكتاب وهم من أبناء الملوك السبعين حتى أهرقوا الدماء ووقع الشر والاختلاف، وذلك بعد ما جاءهم العلم يعني بيان ما في التوراة من الأحكام بَغْياً بَيْنَهُمْ أي طلبا بينهم للملك والرياسة فسلط اللّه عليهم الجبابرة. وقيل : نزلت في نصارى نجران ومعناه وما اختلف الذين أوتوا الكتاب يعني الإنجيل واختلافهم كان في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، وما ادعوا فيه من الإلهية إلا من بعد ما جاءهم العلم. يعني بأن اللّه تعالى واحد أحد وأن عيسى عبده ورسوله بغيا بينهم يعني المعاداة والمخالفة. وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ فيه وعيد وتهديد لمن أصر على الكفر من اليهود والنصارى الذين جحدوا نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قوله عز وجل :
[سورة آل عمران (٣) : آية ٢٠]
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠)
فَإِنْ حَاجُّوكَ أي خاصموك يا محمد في الدين، وذلك أن اليهود والنصارى قالوا : لسنا على ما سميتنا به يا محمد إنما اليهودية والنصرانية نسب والدين هو الإسلام ونحن عليه فأمر اللّه عز وجل نبيه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يحتج عليهم بأنه اتبع أمر اللّه الذي هم يقرون به بقوله : فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ أي انقدت له بقلبي ولساني وجميع جوارحي، وإنما خص الوجه بالذكر لأنه أشرف جوارح الإنسان الظاهرة إذا خضع وجهه لشيء فقد خضع له سائر جوارحه وقيل : أراد بالوجه العمل أي خلصت عملي للّه وقصدت بعبادتي اللّه وَمَنِ اتَّبَعَنِ يعني ومن أسلم كما