لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٣٥
غير الهدى فأعرضوا عنه. وروي عن ابن عباس أيضا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دخل بيت المدارس على جماعة من اليهود فدعاهم إلى اللّه عز وجل فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أنت يا محمد؟ فقال : على ملة إبراهيم. قال : إن إبراهيم كان يهوديا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : هلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه فأنزل اللّه الآية. فعلى هذا القول يكون المراد بكتاب اللّه التوراة. و
روي عنه أيضا أن رجلا وامرأة من أهل خيبر زنيا وكان في كتابهم الرجم فكرهوا رجمهما لشرفهما فيهم فرفعوا أمرهما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ورجوا أن تكون عنده رخصة فحكم عليهما بالرجم. فقال النعمان بن أوفى وبحري بن عمرو : جرت عليهما يا محمد وليس عليهما الرجم.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«بيني وبينكم التوراة» فقالوا : قد أنصفت. فقال من أعلمكم بالتوراة؟ فقالوا رجل أعور يقال له عبد اللّه بن صوريا يسكن فدك فأرسلوا إليه فقدم المدينة وكان جبريل قد وصفه للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : أأنت ابن صوريا؟ قال : نعم قال : أنت أعلم اليهود بالتوراة. قال : كذلك يزعمون. فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالتوراة وقال له : اقرأ فقرأ فلما أتى على آية الرجم وضع يده عليها وقرأ ما بعدها فقال عبد اللّه بن سلام : يا رسول اللّه قد جاوزها ثم قام ورفع كفه عنها وقرأها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى اليهود وفيها : أن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم باليهوديين فرجما فغضبت اليهود لذلك فأنزل اللّه عز وجل : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يعني علمهم الذي علموه من التوراة يدعون إلى كتاب اللّه يعني القرآن أو التوراة على اختلاف الروايتين لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أي ليقضي بينهم وإضافة الحكم إلى الكتاب هو على سبيل المجاز ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ يعني الرؤساء والعلماء وَهُمْ مُعْرِضُونَ يعنيعن الحق وقيل الذين تولوا هم العلماء، والذين أعرضوا هم الأتباع.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥) قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ يعني ذلك التولي والإعراض إنما حصل بسبب أنهم قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ تقدم تفسيره في سورة البقرة وَغَرَّهُمْ أي وأطمعهم فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي يحلفون ويكذبون قيل : هو قولهم نحن أبناء اللّه وأحباؤه وقيل : هو قولهم : لن تمسنا النار إلّا أياما معدودات وقيل غرهم قولهم نحن على الحق وأنتم على الباطل فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ أي فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم لِيَوْمٍ أي في يوم لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ أي لا شك فيه أنه كائن وواقع وهو يوم القيامة، وفيه تهديد لهم واستعظام لما أعد لهم في ذلك اليوم، وأنهم يقعون فيما لا حيلة لهم فيه وإن ما حدثوا به أنفسهم وسهلوه عليها تعلل بباطل وطمع فيما لا يكون ولا يحصل لهم. قيل : إن أول راية ترفع لأهل الموقف من رايات الكفار راية اليهود تفضحهم على رؤوس الأشهاد ثم يؤمر بهم إلى النار وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أي لا ينقص من حسناتهم إن كانت لهم حسنة ولا يزاد على سيئاتهم. قوله عز وجل : قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ قال قتادة : ذكر لنا أن نبي اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا ربه عز وجل أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فأنزل اللّه هذه الآية. وقال ابن عباس : لما فتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكة وعد أمته ملك فارس والروم، فقال المنافقون واليهود : هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم وهم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقيل : إن اليهود قالوا : واللّه لا نطيع رجلا جاء ينقل النبوة من بني إسرائيل إلى غيرهم فنزلت هذه الآية قُلِ اللَّهُمَّ معناه يا اللّه لما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره. وقيل : إن الميم فيه معنى آخر