لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٣٧
الإنسان ويخرج الفرخ وهو حي من البيضة وهي ميتة وبالعكس، وكذلك سائر الحيوان. وقيل : يخرج النبات الغض الأخضر من الحب اليابس، ويخرج النخلة من النواة وبالعكس. وقيل : معناه أنه تعالى يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن لأن المؤمن حي الفؤاد، والكافر ميته وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ يعني من غير تضييق ولا تقتير، بل تبسط الرزق لمن تشاء وتوسعه عليه.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٢٨]
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨)
قوله عز وجل : لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قال ابن عباس : كان الحجاج بن عمرو وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد يبطنون بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر وعبد اللّه بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر : اجتنبوا هؤلاء اليهود لا يفتنونكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقيل : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره ممن كان يظهر المودة لكفار مكة. وقيل : نزلت في عبد اللّه بن أبي وأصحابه كانوا يتولون المشركون واليهود ويأتونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية ونهى المؤمنين عن مثل ذلك. وقيل : إن عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود فقال يوم الأحزاب : يا رسول اللّه إن معي خمسمائة من اليهود وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو فنزلت هذه الآية.
وقوله : لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ يعني أنصارا وأعوانا من دون المؤمنين يعني من غير المؤمنين، والمعنى لا يجعل المؤمن ولايته لمن هو غير مؤمن نهى اللّه المؤمنين أن يوالوا الكفار أو يلاطفوهم لقرابة بينهم أو محبة أو معاشرة، والمحبة في اللّه والبغض في اللّه باب عظيم وأصل من أصول الإيمان وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يعني موالاة الكفار من نقل الأخبار إليهم وإظهار عورة المسلمين أو يودهم ويحبهم فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ أي فليس من دين اللّه في شيء. وقيل : معناه فليس من ولاية اللّه في شيء وهذا أمر معقول من أن ولاية المولى معاداة أعدائه وموالاة اللّه وموالاة الكفار ضدان لا يجتمعان إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً أي إلّا أن تخافوا منهم مخافة. ومعنى الآية أن اللّه نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلّا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كفارا فيداهنهم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه من غير أن يستحل دما حراما أو مالا حراما أو غير ذلك من المحرمات، أو يظهر الكفار على عورة المسلمين، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل مع سلامة النية قال اللّه تعالى : إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ثم هذه التقية رخصة فلو صبر على إظهار إيمانه حتى قتل كان له بذلك أجر عظيم، وأنكر قوم التقية اليوم وقالوا : إنما كانت التقية في جدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين، فأما اليوم فقد أعز اللّه الإسلام والمسلمين فليس لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوهم. قال يحيى البكاء : قلت لسعيد بن جبير في أيام الحجاج : إن الحسن يقول : التقية باللسان والقلب مطمئن بالإيمان فقال سعيد : ليس في الأمان تقية إنما التقية في الحرب.
وقيل : إنما تجوز التقية لصون النفس عن الضرر لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ أي ويخوفكم اللّه أن تعصوه بأن ترتكبوا المنهي أو تخالفوا المأمور به أو توالوا الكفار فتستحقوا عقابه على ذلك كله. وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ يعني أن اللّه يحذركم عقابه إذا صرتم إليه في الآخرة. قوله عز وجل :


الصفحة التالية
Icon