لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٥
الناس دينهم» وفي أفراد مسلم من حديث عمر بن الخطاب نحو هذا الحديث وبمعناه، وقد تقدم الكلام على معنى الإيمان والإسلام. وبقي أشياء تتعلق بمعنى الحديث، فقوله كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوما بارزا أي ظاهرا، وقوله : أن تؤمن باللّه ولقائه وتؤمن بالبعث الآخر هو بكسر الخاء. وقيل في الجامع بين قوله وتؤمن بلقاء اللّه وبالبعث فإن اللقاء يحصل بمجرد الانتقال إلى الدار الآخرة وهو الموت والبعث هو بعده عند قيام الساعة وفي تقييده بالآخر وجه آخر وهو أن خروجه إلى الدنيا بعث من الأرحام وخروجه من القبر إلى الآخرة بعث آخر. قوله ما الإحسان هو هنا الإخلاص في العمل وهو شرط في صحة الإيمان والإسلام لأن من أتى بلفظ الشهادة وأتى بالعمل من غير إخلاص لم يكن محسنا، وقيل أراد بالإحسان المراقبة وحسن الطاعة، فإن من راقب اللّه حسن عمله، وهو المراد بقوله، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وأشراط الساعة علاماتها التي تظهر قبلها. قوله : إذا ولدت الأمة ربها يعني سيدها والمعنى أن الرجل تكون له الأمة فتلد له ولدا فيكون ذلك الولد ابنها وسيدها، ورعاء البهم بكسر الراء وفتح الباء وإسكان الهاء من البهم وهي الصغار من أولاد الضأن، والمعنى أنه يبسط المال على أهل البادية وأشباههم حتى يتباهون في البناء ويسودون الناس فذلك من أشراط الساعة واللّه أعلم. قوله تعالى بِالْغَيْبِ، والغيب هنا مصدر وضع موضع الاسم، فقيل : الغائب غيب وهو ما كان مغيبا عن العيون قال ابن عباس : الغيب هنا كل ما أمرت بالإيمان به مما غاب عن بصرك من الملائكة والبعث والجنة والنار والصراط والميزان.
وقيل : الغيب هنا هو اللّه تعالى وقيل القرآن وقيل بالآخرة وقيل بالوحي وقيل بالقدر وقال عبد الرحمن بن يزيد كنا عند عبد اللّه بن مسعود فذكرنا أصحاب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وما سبقونا به فقال عبد اللّه بن مسعود إن أمر محمد صلّى اللّه عليه وسلّم كان بينا لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ إلى قوله وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ أي يداومون عليها في مواقيتها بحدودها وإتمام أركانها وحفظها من أن يقع فيها خلل في فرائضها وسنتها وآدابها، يقال : قام بالأمر وأقام الأمر إذا أتى به معطى حقوقه، والمراد به الصلوات الخمس. والصلاة في اللغة الدعاء والرحمة ومنه وصل عليهم أي ادع لهم وأصله من صليت العود إذا لينته فكأن المصلي يلين ويخشع. وفي الشرع اسم لأفعال مخصوصة من قيام وركوع وسجود وقعود ودعاء مع النية وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ أي أعطيناهم من الرزق وهو اسم لما ينتفع به من مال وولد و
أصله الحظ والنصيب يُنْفِقُونَ أي يخرجون ويتصدقون في طاعة اللّه تعالى وسبيله، ويدخل فيه إنفاق الواجب كالزكاة والنذر والإنفاق على النفس وعلى من تجب نفقته عليه والإنفاق في الجهاد إذا وجب عليه والإنفاق في المندوب، وهو صدقه التطوع ومواساة الإخوان، وهذه كلها مما يمدح بها وأدخل من التي هي للتبعيض صيانة لهم وكفا عن السرف والتبذير المنهي عنهما في الإنفاق.
[سورة البقرة (٢) : آية ٤]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ أي يصدقون بالقرآن المنزل عليك وبالكتب المنزلة على الأنبياء من قبل كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء كلها فيجب الإيمان بذلك كله وَبِالْآخِرَةِ يعني بالدار الآخرة سميت آخرة لتأخرها عن الدنيا وكونها بعدها هُمْ يُوقِنُونَ من الإيقان وهو العلم والمعنى يستيقنون ويعلمون أنها كائنة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥ الى ٨]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)


الصفحة التالية
Icon