لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٥٢
الدليل. وقد ثبت في الحديث أن عيسى سينزل ويقتل الدجال وسنذكره إن شاء اللّه تعالى. الوجه الخامس : قال أبو بكر الواسطي : معناه أني متوفيك عن شهواتك وعن حظوظ نفسك ورافعك إلي ذلك أن عيسى عليه السلام لما رفع إلى السماء صارت حالته حالة الملائكة في زوال الشهوة. الوجه السادس : أن معنى التوفي أخذ الشيء وافيا ولما علم اللّه تعالى أن من الناس من يخطر بباله أن الذي رفعه اللّه إليه هو روحه دون جسده كما زعمت النصارى أن المسيح رفع لاهوته يعني روحه وبقي في الأرض ناسوته يعني جسده فرد اللّه عليهم بقوله إني متوفيك ورافعك إلي فأخبر اللّه تعالى أنه رفع بتمامه إلى السماء بروحه وجسده جميعا. الطريق الثاني : أن في الآية تقديما وتأخيرا تقديره أني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالك إلى الأرض وقيل : لبعضهم هل تجد نزول عيسى إلى الأرض في القرآن؟ قال : نعم قوله تعالى وكهلا وذلك لأنه لم يكتهل في الدنيا وإنما معناه وكهلا بعد نزوله من السماء. (ق) عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد زاد وفي رواية حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمنن به قبل موته وفي رواية كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.
وفي رواية فأمكم منكم قال ابن أبي ذؤيب : تدري ما أمكم منكم؟ قلت فأخبرني قال فأمكم كتاب ربكم عز وجل وبسنة نبيكم صلّى اللّه عليه وسلّم وفي إفراد مسلم من حديث النواس بن سمعان قال : فبينما هما إذ بعث اللّه المسيح ابن مريم عليه السلام فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : ليس بيني وبينه يعني عيسى نبي وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ينزل بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك اللّه الملل في زمانه كلها إلّا الإسلام ويهلك المسيح الدجال ثم يمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون أخرجه أبو داود ونقل بعضهم أن عيسى عليه السلام يدفن في حجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيقوم أبو بكر وعمر يوم القيامة بين نبيين محمد وعيسى عليهما السلام. قوله عز وجل : وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني مخرجك من بينهم ومنجيك منهم وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يعني وجاعل الذين اتبعوك في التوحيد وصدقوا قولك وهم أهل الإسلام من أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فوق الذين كفروا بالعز والنصر والغلبة بالحجة الظاهرة.
وقيل : هم الحواريين الذين اتبعوا عيسى على دينه وقيل : هم النصارى فهم فوق اليهود وذلك لأن ملك اليهود قد ذهب ولم يبق لهم مملكة وملك النصارى باق فعلى هذا القول يكون الاتباع بمعنى المحبة والادعاء لا اتباع الدين لأن النصارى وإن أظهروا متابعة عيسى عليه السلام فهم أشد مخالفة له وذلك أن عيسى عليه السلام لم يرض بما هم عليه من الشرك، والقول الأول هو الأصح لأن الذين اتبعوه هم الذين شهدوا له بأنه عبد اللّه ورسوله وكلمته وهم المسلمون وملكهم باق إلى يوم القيامة ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ يعني يقول اللّه عز وجل : إلي مرجع الفريقين في الآخرة الذين اتبعوا عيسى وصدقوا به والذين كفروا به فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ يعني من الحق في أمر عيسى ثم بين ذلك الحكم فقال تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥٦ الى ٥٩]
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا الذين جحدوا نبوة عيسى وخالفوا ملته وقالوا فيه ما قالوا من الباطل ووصفوه بما لا ينبغي من سائر اليهود والنصارى فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا يعني بالقتل والسبي والذلة وأخذ الجزية منهم