لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٥٧
الإسلامية وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ يعني بالنصر والمعونة عن ابن مسعود قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : إن لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي أبي وخليل ربي إبراهيم ثم قرأ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهذا النبي والذين آمنوا واللّه ولي المؤمنين أخرجه الترمذي وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ورواه محمد بن إسحاق عن ابن شهاب بإسناده حديث هجرة الحبشة قال : لما هاجر جعفر بن أبي طالب وأناس من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أرض الحبشة واستقرت بهم الدار وهاجر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة وكان من أمر بدر وما كان اجتمعت قريش في دار الندوة وقالوا : إن لنا في الذين عند النجاشي من أصحاب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ثأرا ممن قتل منكم ببدر فاجمعوا مالا وأهدوه إلى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم ولينتدب لذلك رجلان من ذوي رأيكم فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط معهما الهدايا الأدم وغيره فركبا البحر حتى أتيا الحبشة فلما دخلا على النجاشي سجدا له وسلما عليه وقالا له إن قومنا لك ناصحون شاكرون ولأصحابك محبون، وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء الذين قدموا عليك لأنهم قوم رجل كذاب خرج يزعم أنه رسول اللّه ولم يتابعه أحد منا إلّا السفهاء وإنا كنا قد ضيقنا عليهم الأمر وألجأناهم إلى شعب بأرضنا لا يدخل عليهم أحد ولا يخرج منهم أحد فقتلهم الجوع والعطش، فلما اشتد عليه الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكم.
قال : وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس رغبة عن دينك وسنتك قال : فدعاهم النجاشي فلما حضروا صاح جعفر بالباب يستأذن عليك حزب اللّه تعالى فقال النجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه ففعل جعفر فقال النجاشي : نعم فليدخلوا بأمان اللّه وذمته فنظر عمرو إلى صاحبه فقال : ألا تسمع كيف يرطنون بحزب اللّه وما أجابهم به الملك فساءهما ذلك ثم دخلوا عليه فلم يسجدوا له فقال عمرو بن العاص : ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك فقال لهما النجاشي : ما منعكم أن تسجدوا لي وتحيوني بالتحية التي يحييني بها من أتاني من الآفاق نسجد للّه الذي خلقك وملكك إنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان فبعث اللّه فينا نبيا صادقا فأمرنا بالتحية التي رضيها اللّه وهي السلام تحية أهل الجنة، فعرف النجاشي أن ذلك حق وأنه في التوراة والإنجيل. قال : أيكم الهاتف يستأذن عليك حزب اللّه؟ قال جعفر أنا قال فتكلم قال : إنك ملك من ملوك الأرض من أهل الكتاب ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم وإنما أحب أن أجيب عن أصحابي فمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ولينصت الآخر فتسمع محاورتنا فقال عمرو لجعفر تكلم فقال جعفر للنجاشي : سل هذين الرجلين أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنا عبيدا قد أبقنا من أربابنا فردنا عليهم فقال النجاشي أعبيد هم أم أحرار؟ فقال بل أحرار كرام فقال النجاشي : نجوا من العبودية فقال جعفر :
سلهما هل أرقنا دما بغير حق فيقتص منا فقال عمرو : لا ولا قطرة قال جعفر : سلهما هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها قال النجاشي : إن كان قنطارا فعلي قضاؤه فقال عمرو : لا ولا قيراط فقال النجاشي : فما تطلبون منهم قال كنا وإياهم على دين واحد وأمر واحد على دين آبائنا فتركوا ذلك وابتعوا غيره فبعثنا قومنا لتدفعهم إلينا فقال النجاشي : وما هذا الدين الذي كنتم عليه والدين الذي اتبعوه فقال جعفر : أما الدين الذي كنا عليه فهو دين الشيطان كنا نكفر باللّه ونعبد الحجارة، وأما الذي تحولنا إليه فهو دين اللّه الإسلام جاءنا به من عند اللّه رسول، وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له فقال النجاشي : يا جعفر تكلمت بأمر عظيم فعلى رسلك ثم أمر النجاشي بضرب الناقوس فضرب فاجتمع إليه كل قسيس وراهب، فلما اجتمعوا عنده قال النجاشي : أنشدكم اللّه الذي أنزل الإنجيل على عيسى هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيا مرسلا قالوا : اللهم نعم قد بشرنا به عيسى فقال : من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي. فقال النجاشي لجعفر : ماذا يقول لكم هذا الرجل وما يأمركم به وما ينهاكم عنه؟ فقال : يقرأ علينا كتاب اللّه ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر ويأمرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم، ويأمرنا أن نعبد اللّه وحده لا شريك له فقال له : اقرأ علي مما يقرأ عليكم فقرأ