لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٦٢
المشتري يأخذ شيئا ويعطي شيئا فكل واحد من يعطي، والمأخوذ ثمنا للآخر فهذا معنى الشراء أُولئِكَ يعني من هذه صفتهم لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أي لا نصيب لهم في الآخرة ونعيمها وجميع منافعها وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يعني كلاما يسرهم به أو ينفعهم. وقيل : هو بمعنى الغضب وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي لا يرحمهم ولا يحسن إليهم ولا ينيلهم خيرا وَلا يُزَكِّيهِمْ أي ولا يطهرهم من الذنوب ولا يثني عليهم بجميل وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني في الآخرة. (ق) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماله فيقول اللّه له اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك»، (م) عن أبي ذر قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم» : ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال : فقرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاث مرات فقلت : خابوا وخسروا من هم يا رسول اللّه؟ قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب «و للنسائي» المنان بما أعطى والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. (م) عن أبي أمامة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم اللّه عليه الجنة وأوجب له النار فقالوا : يا رسول اللّه وإن كان شيئا يسيرا قال وإن كان قضيبا من أراك» قوله عز وجل :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٨ الى ٧٩]
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨) ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩)
وَإِنَّ مِنْهُمْ يعني من اليهود لَفَرِيقاً يعني طائفة وجماعة وهم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيي بن أخطب وأبو ياسر وشعبة بن عمرو الشاعر يَلْوُونَ أي يعطفون ويميلون، وأصل اللي الفتل من قولك لويت يده إذا فتلتها أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ يعني بالتحريف والتغيير والتبديل وتحريف الكلام تقليبه عن وجهه لأن المحرف يلوي لسانه عن سنن الصواب بما يأتي به من عند نفسه قال الواحدي : ويحتمل أن يكون المعنى يلوون بألسنتهم الكتاب لأنهم يحرفون الكتاب عما هو عليه بألسنتهم فيأتون به على القلب ونقل الإمام فخر الدين عن القفال قال يلوون ألسنتهم معناه أن يعمدوا إلى اللفظة فيحرفونها في حركات الإعراب تحريفا يتغير به المعنى وهذا كثير في لسان العرب فلا يبعد مثله في العبرانية فلما فعلوا ذلك في الآيات الدالة على نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم من التوراة كان ذلك هو المراد من قوله يلوون ألسنتهم بالكتاب وقيل إنهم غير واصفة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من التوراة وبدلوها، وآية الرجم وغير ذلك مما بدلوا وغيروا لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ يعني لتظنوا أن الذي حرفوه وبدلوه من الكتاب الذي أنزله اللّه أنبيائه وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ يعني ذلك الذي يزعمون أنه من الكتاب ما هو منه وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني الذي يقولونه ويغيرونه، وإنما كرر هذا بلفظين مختلفين مع اتحاد المعنى لأجل التأكيد وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ يعني أنهم كاذبون. وقال ابن عباس : إن الآية نزلت في اليهود والنصارى جميعا وذلك أنهم حرفوا التوراة والإنجيل وألحقوا في كتاب اللّه ما ليس فيه.
قوله عز وجل : ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ قيل إن نصارى نجران قالوا إن عيسى أمرهم أن يتخذوه ربا فقال اللّه تعالى ردا عليهم : ما كان لبشر يعني عيسى عليه السلام أن يؤتيه اللّه الكتاب يعني الإنجيل. وقال ابن عباس في قوله تعالى ما كان لبشر يعني محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يؤتيه اللّه الكتاب يعني القرآن وذلك أن أبا رافع من اليهود والسيد من نصارى نجران قالا : يا محمد تريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟ قال معاذ اللّه أن آمر بعبادة غير اللّه وما بذلك أمرني