لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٧
وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ أي وآمنا باليوم الآخر وهو يوم القيامة سمي بذلك لأنه يأتي بعد الدنيا وهو آخر الأيام المحدودة المعدودة وما بعده فلا حد له ولا آخر قال اللّه تعالى ردا على المنافقين وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ نفى عنهم الإيمان بالكلية.
[سورة البقرة (٢) : آية ٩]
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩)
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا أي يخالفون اللّه والخديعة الحيلة والمكر وأصله في اللغة لإخفاء والمخادع يظهر ضد ما يضمر ليتخلص فهو بمنزلة النفاق، وهو خادعهم أي يظهر لهم نعيم الدنيا ويعجله لهم بخلاف ما يغيب عنهم من عذاب الآخرة. فإن قلت المخادعة مفاعلة، وإنما تجيء في الفعل المشترك، واللّه تعالى منزه عن المشاركة قلت المفاعلة قد ترد لا على وجه المشاركة تقول عافاك اللّه وطارقت النعل وعاقبت اللص، فالمخادعة هنا عبارة عن فعل الواحد واللّه تعالى منزه عن أن يكون منه خداع. فإن قلت : كيف يخادع اللّه وهو يعلم الضمائر والأسرار؟ فمخادعة اللّه ممتنعة فكيف يقال يخادعون اللّه؟. قلت إن اللّه تعالى ذكر نفسه وأراد به رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وذلك تفخيم لأمره وتعظيم لشأنه، وقيل أراد به المؤمنين وإذا خادعوا المؤمنين فكأنهم خادعوا اللّه تعالى وذلك أنهم ظنوا أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين لم يعلموا حالهم ولتجري عليهم أحكام الإسلام في الظاهر وهم، على خلافه في الباطن وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ أي إن اللّه تعالى يجازيهم على ذلك ويعاقبهم عليه فلا يكونون في الحقيقة إلّا خادعين أنفسهم، وقيل : إن وبال ذلك الخداع راجع إليهم لأن اللّه تعالى يطلع نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم على نفاقهم فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب في العقبى. والنفس ذات الشيء وحقيقته. وقيل للدم نفس لأن به قوة البدن وَما يَشْعُرُونَ أي لا يعلمون أن وبال خداعهم راجع عليهم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠ الى ١٤]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك ونفاق وأصل المرض الضعف والخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان وسمي الشك في الدين والنفاق مرضا لأنه يضعف الدين كالمرض يضعف البدن فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً يعني أن الآيات كانت تنزل تترى، أي آية بعد آية فلما كفروا بآية ازدادوا بعد ذلك كفرا ونفاقا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي مؤلم يخلص وجعه إلى قلوبهم بِما كانُوا يَكْذِبُونَ أي بتكذيبهم اللّه ورسوله في السر، وقرئ بالتخفيف أي بكذبهم إذ قالوا آمنا وهم غير مؤمنين وَإِذا قِيلَ لَهُمْ يعني المنافقين وقيل اليهود والمعنى إذا قال لهم المؤمنون لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ أي بالكفر وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وبالقرآن قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ يعني يقولونه كذبا إِلَّا كلمة تنبيه ينبه بها المخاطب إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ يعني في الأرض بالكفر وهو أشد الفساد وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ وذلك لأنهم يظنون أن ما هم عليه من النفاق وإبطان الكفر صلاح وهو عين الفساد.
وقيل لا يشعرون ما أعد اللّه لهم من العذاب وَإِذا قِيلَ لَهُمْ يعني المنافقين وقيل اليهود آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ يعني المهاجرين والأنصار. وقيل عبد اللّه بن سلام وأصحابه من مؤمني أهل الكتاب، والمعنى أخلصوا في إيمانكم كما أخلص هؤلاء في إيمانهم لأن المنافقين كانوا يظهرون الإيمان قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أي الجهال. فإن قلت كيف يصح النفاق مع المجاهرة بقولهم : أنؤمن كما آمن السفهاء. قلت كانوا يظهرون هذا


الصفحة التالية
Icon