لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٧٨
محمد بن إسحاق وغيره من أهل الأخبار كان الأوس والخزرج أخوين لأب وأم فوقعت بينهما عداوة قتيل ثم تطاولت تلك العداوة والحروب بينهم مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأ اللّه ذلك بالإسلام وألف بينهم بنبيه محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. وسبب ذلك أن سويد بن الصامت أخا بني عمرو بن عوف وكان شريفا يسميه قومه الكامل لجلده ونسبه قدم مكة حاجا أو معتمرا وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد بعث وأمر بالدعوة فتصدى له النبي حين سمع به ودعاه إلى اللّه عز وجل وإلى الإسلام فقال له سويد فلعل الذي معك مثل الذي معي فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وما الذي معك؟ قال مجلد لقمان يعني حكمة لقمان فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعرضها علي فعرضها عليه فقال : إن هذا الكلام حسن ومعي أفضل من هذا قرآن أنزل اللّه عز وجل على نورا وهدى فتلا عليه القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه وقال : إن هذا القول قول حسن ثم انصرف إلى المدينة فلم يلبث أن قتله الخزرج يوم بعاث وإن قومه يقولون : قد قتل وهو مسلم. ثم قدم أبو الحيس أنس بن رافع ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج فلما سمع بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتاهم وجلس إليهم وقال لهم :
هل لكم إلى خير مما جئتم له قالوا وما هو؟ قال أنا رسول اللّه قد بعثني اللّه إلى العباد أدعوهم إلى أن لا يشركوا باللّه شيئا وأنزل على الكتاب ثم ذكر الإسلام وتلا عليهم القرآن. قال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا أي قوم هذا واللّه خير مما جئتم له فأخذ أبو الحيس حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس وقال : دعنا منك فلعمري لقدجئنا لغير هذا فصمت إياس وقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنهم وانصرفوا إلى المدينة فكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج فلم يلبث إياس بن معاذ أن هلك، فلما أراد اللّه عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على القبائل من العرب كما كان يصنع في كل موسم فلقي عند العقبة رهطا من الخزرج أراد اللّه بهم خيرا وهم ستة نفر أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث وهو ابن عفراء ورافع بن مالك العجلاني وقطبة بن عامر بن خريدة وعقبة بن عامر بن بابي وجابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهم فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أنتم قالوا نفر من الخزرج قال أمن موالي اليهود قالوا نعم قال : أفلا تجلسون حتى أكلمكم قالوا : بلى، فجلسوا معه فدعاهم إلى اللّه عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن. قال :
وكان مما صنع اللّه لهم به في الإسلام أن يهود كانوا معهم ببلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم وهم أهل أوثان وشرك وكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا : إن نبيّا الآن مبعوث قد أظل زمانه سنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما كلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أولئك النفر ودعاهم إلى اللّه عز وجل قال بعضهم لبعض : يا قوم تعلمون واللّه أنه النبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه فأجابوه وصدقوه وأسلموا معه وقالوا إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فعسى اللّه أن يجمعهم بك وسنقدم عليهم وندعوهم إلى أمرك، فإن يجمعهم اللّه عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم راجعين إلى بلادهم فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا وهم أسعد بن زرارة وعوف ومعاذ ابنا عفراء ورافع بن مالك العجلاني وذكوان بن عبد القيس وعبادة بن الصامت وزيد بن ثعلبة وعباس بن عبادة وعقبة بن عامر وقطبة بن عامر فهؤلاء خزرجيون وأبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة من الأوس فلقوه بالعقبة وهي العقبة الأولى فبايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بيعة النساء على أن لا يشركن باللّه شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين بهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف الآية فإن وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم شيئا من ذلك فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة وإن ستر عليكم فأمركم إلى اللّه عز وجل إن شاء عذبكم وإن شاء غفر لكم قال وذلك قبل أن يفرض الحرب، قال : فلما انصرف القوم بعث معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وأمره أن يقرئهم القرآن و
يعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين وكان يسمى مصعب بالمدينة المقرئ، وكان منزله على