لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٨٠
خرجنا لميعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نتسلل مستخفين تسلل القطا حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن سبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني النجار وأسماء بنت عمرو بن عدي أم منيع إحدى نساء بني سلمة فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى جاءنا ومعه عمه العباس ابن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوقف له فلما جلسنا كان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب فقال : يا معشر الخزرج وكانت العرب يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها وأوسها إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه عن قومنا ممن هو على مثل رأينا وهو في
عز من قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانقطاع إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم به من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدعوه فإنه في عزو ومنعة قال فقلنا : قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول اللّه وخذ لنفسك ولربك ما شئت فتكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتلا القرآن ودعا إلى اللّه عز وجل ورغب في الإسلام ثم قال أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم ونساءكم وأبناءكم قال فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال والذي بعثك بالحق نبيّا لنمعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول اللّه فنحن أهل الحرب وأهل الحلقة ورثناهما كابرا عن كابر فاعترض القول والبراء يكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبو الهيثم بن التيهان فقال : يا رسول اللّه إن بيننا وبين الناس حبالا يعني عهودا وإنا قاطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك أن ترجع إلى قومك وتدعنا فتبسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثم قال : بل الدم الدم والهدم الهدم أنتم مني وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : أخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم بما فيهم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم فأخرجوا اثني عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس قال عاصم بن عمرو بن قتادة إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري : يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن فهو واللّه خزي في الدنيا والآخرة وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو واللّه خير الدنيا و
الآخرة. قالوا فإنا نأخذ على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول اللّه إن نحن وفينا قال الجنة قالوا ابسط يدك فبسط يده فبايعوه وأول من ضرب على يده البراء بن معرور ثم تتابع القوم قال فلما بايعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت ما سمعته قط يا أهل الحباحب هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : هذا عدو اللّه هذا أزب العقبة يعني شيطان العقبة اسمع أي عدو اللّه أما واللّه لأفرغن لك ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : انفضوا إلى رحالكم فقال العباس بن عبادة بن نضلة والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن على أهل منى بأسيافنا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاءونا في منازلنا فقالوا : يا معشر الخزرج بلغنا أنكم جئتم صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا وإنه واللّه ما حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينه منكم قال فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون باللّه ما كان من هذا شيء وما علمناه وصدقوا لم يعلموا به وبعضنا ينظر إلى بعض وقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وعليه نعلان جديدتان قال : فقلت له كلمة كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوه يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل نعلي هذا الفتى من قريش قال فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ورمى بهما إليّ وقال واللّه لتنتعلنهما قال أبو جابر مه واللّه أحفظت الفتى فاردد إليه نعليه قال فقلت لا أردهما قال : واللّه يا أبا صالح لئن صدق الفأل لأسلبنه قال : ثم انصرف الأنصار إلى المدينة وقد شدوا العقد فلما قدموها أظهروا الإسلام بها وبلغ ذلك قريشا فآذوا أصحاب
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال