لباب التأويل، ج ١، ص : ٢٩٧
بالسعة والبسط فشبهت بأوسع شيء علمه الناس وذلك أنه لو جعلت السموات والأرض طبقا طبقا ثم وصل البعض بالبعض حتى يكون طبقا واحدا كان ذلك مثل عرض الجنة فأما طولها فلا يعلمه إلّا اللّه تعالى. وقيل المراد بالعرض السعة كما تقول العرب بلاد عريضة أي واسعة عظيمة قال الشاعر :
كأن بلاد اللّه وهي عريضة على الخائف المطلوب كفة حابل
والأصل فيه أن ما اتسع عرضه لم يضق ولم يدق وما ضاق عرضه دق فجعل العرض كناية عن السعة.
وروي أن هرقل أرسل إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سبحان اللّه فأين الليل إذا جاء النهار قيل معناه واللّه أعلم بذلك أنه إذا دار الفلك حصل النهار في جانب والليل في ضد ذلك الجانب فكذلك الجنة في جهة العلو والنار في جهة السفل. وروى طارق بن شهاب أن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وعنده أصحابه فقالوا : أرأيتم قولكم وجنة عرضها السموات والأرض. فأين النار؟ فقال عمر بن الخطاب أرأيتم إذا جاء الليل فأين يكون النهار وإذا جاء النهار فأين يكون الليل فقالوا إنها لمثلها في التوراة ومعناه حيث يشاء اللّه تعالى. فإن قلت قال اللّه تعالى : وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ وأراد بالذي وعدنا به الجنة ومذهب أهل السنة أنها في السموات إنها فوق السموات وتحت العرش كما سئل أنس بن مالك عن الجنة أفي السماء هي أم في الأرض؟ فقال : أي أرض وسماء تسع الجنة قيل له : فأين هي؟ قال فوق السموات تحت العرش وقد وصف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الفردوس فقال وسقفها عرش الرحمن وقال قتادة : كانوا يرون أن الجنة فوق السموات السبع وأن جهنم تحت الأرضين السبع وقيل : إن باب الجنة في السماء وعرضها كعرض السموات والأرض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ أي هيئت للمتقين وفيه دليل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن.
قوله عز وجل : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ يعني في العسر واليسر لا يتركون الإنفاق في كلتا الحالتين في الغنى والفقر والرخاء والشدة ولا في حال فرح وسرور ولا في حال محنة وبلاء. وسواء كان الواحد منهم في عرس أو في حبس فإنهم لا يدعون الإحسان إلى الناس فأول ما ذكر اللّه من أخلاقهم الموجبة للجنة السخاء لأنه أشق على النفس.
وكانت الحاجة إلى إخراج المال في ذلك الوقت أعظم الأحوال للحاجة إليه في مجاهدة الأعداء ومواساة الفقراء من المسلمين عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«السخي قريب من اللّه قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار والبخيل بعيد من اللّه بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلى اللّه تعالى من عابد بخيل» أخرجه الترمذي (ق) عن أبي هريرة أنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلّا سبغت أو وفت على جلده حتى تخفي ثيابه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلّا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها فلا تتسع» الجنة الدرع من الحديد (ق) عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللّهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا» (ق) عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«قال اللّه تبارك وتعالى أنفق ينفق عليك» (ق) عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«من أنفق زوجين في سبيل اللّه دعاه خزية الجنة كل خزنة باب أي قل هلم فقال أبو بكر : فقال يا رسول اللّه ذاك الذي لا توي عليه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إني لأرجو أن تكون منهم» قوله أي فل يعني يا فلان وليس بترخيم والتوي الهلاك يعني ذاك الذي لا هلاك عليه.
وقوله تعالى : وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ يعني والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه والكظم حبس الشي ء