لباب التأويل، ج ١، ص : ٣٣
وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم واللّه لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا فيقولون وأنتم واللّه لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا» عن علي رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إن في الجنة لمجتمعا للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق مثلها يقلن : نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا وكنا له» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب. قوله تعالى :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها سبب نزول هذه الآية أن اللّه تعالى لما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت وذكر النحل والنمل قالت اليهود. ما أراد اللّه بذكر هذه الأشياء الخسيسة. وقيل قال المشركون إنا لا نعبد إلها يذكر هذه الأشياء وذلك لأن الكفار كانوا متفقين على إيذاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا ذلك، فأنزل اللّه تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم عليه. وقيل هو انقباض النفس عن القبائح هذا أصله في وصف الإنسان، واللّه تعالى منزه عن ذلك كله فإذا وصف اللّه تعالى به يكون معناه الترك، وذلك لأن لكل فعل بداية ونهاية، فبداية الحياء هو التغير الذي يلحق الإنسان من خوف أن ينسب إليه ذلك الفعل القبيح، ونهايته ترك ذلك الفعل القبيح، فإذا ورد وصف الحياء في حق اللّه تعالى فليس المراد منه بدايته وهو التغير والخوف، بل المراد منه ترك الفعل الذي هو نهاية الحياء وغايته فيكون معنى إن اللّه لا يستحي أن يضرب مثلا أي لا يترك المثل لقول الكفار واليهود «ما» قيل ما صلة فيكون المعنى أن يضرب مثلا بعوضة، وقيل ليس هي بصلة بل هي للإبهام والنكرة، والبعوض صغار البق وهو من عجيب خلق اللّه تعالى فإنه في غاية الصغر وله خرطوم مجوف وهو مع صغره يغوص خرطومه في جلد الفيل والجاموس والجمل فيبلغ منه الغاية حتى أن الجمل يموت من قرصه فما فوقها يعني الذباب والعنكبوت وما هو أعظم منهما في الجثة.
وقيل معناه فما دونها وأصغر منها، وهذا القول أشبه بالآية لأن الغرض بيان أن اللّه تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشيء الصغير الحقير وقد ضرب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مثلا للدنيا بجناح البعوضة وهو أصغر منها، وقد ضربت العرب المثل بالمحقرات، فقيل : هو أحقر من ذرة وأجمع من نملة وأطيش من ذبابة وألح من ذبابة فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا يعني بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ يعني ضرب المثل الْحَقُّ يعني الصدق مِنْ رَبِّهِمْ الثابت الذي لا يجوز إنكاره لأن ضرب المثل من الأمور المستحسنة في العقل وعند العرب وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا أي بهذا المثل يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً أي من الكفار وذلك أنهم يكذبونه فيزدادون به ضلالا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً يعني المؤمنين يصدقونه ويعلمون أنه حق وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ يعني الكافرين وقيل المنافقين. وقيل اليهود، والفسق الخروج عن طاعة اللّه وطاعة رسوله ثم وصفهم فقال تعالى : الَّذِينَ يَنْقُضُونَ أي يخالفون ويتركون وأصل النقض الفسخ وفك المركب عَهْدَ اللَّهِ أي أمر اللّه وأصل العهد حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ أي من بعد عقده وتوكيده وفي معنى هذا العهد أقوال أحدها أنه الذي أخذه عليهم يوم الميثاق وهو قوله تعالى : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى الثاني المراد به الذي أخذه على إجبار اليهود في التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ويبينوا نعته وصفته الثالث المراد به الكفار والمنافقون الذين نقضوا عهدا أبرمه